والأمان (فيهدر الحربي والمرتد) أما الأول فلعموم قوله تعالى: * (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) *، وأما الثاني فلقوله صلى الله عليه وسلم: من بدل دينه فاقتلوه والمراد إهداره في حق المسلم. أما في حق ذمي أو مرتد فسيأتي. (ومن عليه قصاص) فهو معصوم على غير المستحق (كغيره) فإذا قتله غير المستحق اقتص منه، لقوله تعالى: * (ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا) * فخص وليه بقتله، فدل على أن وليه لا سلطان له عليه.
تنبيه: محل هذا فيمن لم يتحتم قتله، أما إذا تحتم قتله لقطع طريق فإن الصحيح أنه يقتل قصاصا. ولو قتله غير المستحق لا يقتل به إلا إن كان مثله. (والزاني) المسلم (المحصن إن قتله ذمي قتل به) لأنه لا تسلط له على المسلم، وإذا كان الذمي يقتل به فالمرتد والمعاهد والمؤمن بالأولى. وخرج بقيد المسلم ما لو كان المحصن ذميا، فإن الذمي غير الزاني المحصن لا يقتل به كما قال البلقيني، فإن كان مثله قتل به. (أو) قتله (مسلم) غير زان محصن (فلا) يقتل به (في الأصح) المنصوص في الام لاستيفائه حد الله تعالى. والثاني: يجب القصاص، لأن الاستيفاء للام، فأشبه ما لو قتل من عليه القصاص غير مستحقه. وعلى الأول لا فرق بين أن يقتله قبل أمر الإمام بقتله أم لا، ولا بين أن يثبت زناه بالبينة أم لا، ولا بين أن يكون قبل رجوعه عن الاقرار أم لا. ووقع في تصحيح التنبيه للمصنف أن ذلك فيما إذا ثبت زناه بالبينة، فإن ثبت بالاقرار قتل به. أما المسلم الزاني المحصن إذا قتله فإنه يقتل به، أو تارك الصلاة عمدا بعد أمر الحاكم بها كالزاني ثم شرع في الركن الثالث وهو القاتل، فقال: (و) يشترط (في القاتل) المحصن تكليف، وهو (بلوغ وعقل) فلا قصاص على صبي ومجنون، لخبر: رفع القلم عن ثلاث.
تنبيه: محله في المجنون إذا كان الجنون مطبقا، أما المتقطع فينظر إن كان في زمن إفاقته فهو كالعاقل الذي لا جنون به، وإن كان في زمن جنونه فهو كالمجنون الذي لا إفاقة له. (والمذهب وجوبه) أي القصاص (على السكران) المتعدي بسكره، لأنه مكلف عند غير المصنف، ولئلا يؤدي إلى ترك القصاص، لأن من رام القتل لا يعجز أن يسكر حتى لا يقتص منه. وهذا كالمستثنى من شرط العقل، وهو من قبيل ربط الأحكام بالأسباب. وألحق به من تعدى بشرب دواء مزيل للعقل. أما غير المتعدي فهو كالمعتوه فلا قصاص عليه. (ولو قال: كنت يوم القتل صبيا أو مجنونا) وكذبه ولي المقتول، (صدق) القاتل (بيمينه إن أمكن الصبا) وقت القتل (وعهد الجنون) قبله، لأن الأصل بقاؤهما، بخلاف ما إذا لم يمكن صباه ولم يعهد جنونه. ولو قامت بينة بجنونه وأخرى بعقله ولم يعلم حاله قبل ذلك أو علم حاله وكانت البينتان مقيدتين بحالة الموت تعارضتا، أو لو اتفق ولي المقتول والقاتل على زوال عقله لكن الولي يقول: بسكر تعدى فيه، والقاتل: بجنون، صدق القاتل كما أطلقاه. (ولو قال) القاتل (أنا) الآن (صبي) وأمكن (فلا قصاص) عليه (ولا يحلف) أنه صبي، لأن التحليف لاثبات صباه، ولو ثبت لبطلت يمينه، ففي تحليفه إبطال لتحليفه، وسيأتي هذا في الدعوى والبينات مع زيادة. (ولا قصاص) ولا دية (على حربي) قتل حال حرابته، وإن عصم بعد ذلك بإسلام أو عقد ذمة، لما تواتر من فعله صلى الله عليه وسلم والصحابة بعده من عدم القصاص ممن أسلم، كوحشي قاتل حمزة رضي الله تعالى عنه، ولعدم التزامه الأحكام. (ويجب) القصاص (على المعصوم) بإيمان أو أمان من غير تأويل لالتزامه الأحكام، أما بالتأويل بأن قتل البغاة من أهل العدل في حال الحرب فلا ضمان عليهم كما سيأتي.
تنبيه: عبارة المحرر: ويجب على الذمي، فعدل عنها المصنف إلى المعصوم لعمومها، وزاد عليه قوله: (و) على (المرتد) لأجل تعبيره بالمعصوم لئلا يرد على المفهوم فإنه غير معصوم، وإنما أوجبنا عليه القصاص لبقاء علقة الاسلام فيه.