مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٤ - الصفحة ١١
ابن القطان في فروعه نص الشافعي على أنها في ماله. (وقيل) هو (عمد) وهذا ليس بوجه محقق بل هو رأي للغزالي، وعليه فيجب به القصاص لأنه تسبب إلى قتله فأشبه ما لو رماه بسهم.
تنبيه: حمل هذا القول فيما إذا كانت الشجرة مما يزلق على مثلها غالبا كما ذكره المصنف في نكت الوسيط.
أما إذا كانت لا يزلق على مثلها غالبا فلا يأتي هذا القول، فالتقييد بذلك لمحل الخلاف، لا كما فهمه أكثر الشراح من أنه قيد لشبه العمد فيكون في هذه الحالة خطأ، فتنبه لذلك فإنه مما يغفل عنه كثير من الطلبة. وصحح البلقيني أن هذا ليس بشبه عمد بل هو خطأ محض. (أو) أكرهه (على قتل نفسه) بأن قال له: اقتل نفسك أو اشرب هذا السم وإلا قتلتك فقتلها (فلا قصاص) عليه (في الأظهر) لأن هذا ليس بإكراه حقيقة لاتحاد المأمور به والمخوف فصار كأنه مختار له.
والثاني: يجب، كما إذا أكرهه على قتل غيره. وعلى الأول لا شئ على الآمر من الدية كما ذكره الرافعي في باب موجبات الدية، وإن جرى ابن المقري على وجوب نصف دية، لأن القصاص إنما يسقط لانتفاء الاكراه فينتفي موجبه فلا يجب على فاعله شئ.
تنبيه: محل الخلاف كما قاله أبو الفرج الرازي ما إذا خوفه بمثل ذلك القتل، فإن خوفه بعقوبة فوق القتل كالاحراق والتمثيل فهو إكراه. ويستثنى ما إذا كان المكره - بفتح الراء - غير مميز لصغر أو جنون فإنه يجب القصاص على المكره - بكسر الراء - بخلاف البالغ الأعجمي، فإنه لا يخفى عليه أنه لا يجوز له قتل نفسه، بخلاف ما إذا أمره بقتل غيره فعل. نعم إن أمره ببط جرحه أو بفتح عرقه القاتل، فإن كان بمقتل وجهل كونه قاتلا ضمن الآمر، لأن الأعجمي حينئذ لا يظنه قاتلا فلا يجوز أن يعتقد وجوب الطاعة. أما إذا علمه قاتلا فلا ضمان على آمره. وخرج بالتقييد بالنفس الطرف، فلو قال له: اقطع يدك أو رجلك أو نحو ذلك وإلا قتلتك، فقطعها اقتص منه لأنه إكراه، لأن قطعه ترجى معه الحياة. (ولو قال) شخص لآخر: (اقتلني وإلا قتلتك فقتله) ذلك الشخص، (فالمذهب لا قصاص) عليه لأن الاذن شبهة دارئة للحد. والطريق الثاني ذات قولين، ثانيهما: يجب عليه القصاص، لأن القتل لا يباح بالاذن، فأشبه ما لو أذن له في الزنا بأمته. (والأظهر) على عدم القصاص (لا دية) أيضا بناء على أنها تثبت للمقتول في آخر جزء من حياته ثم تنتقل إلى الوارث، وهو الأظهر ولهذا تنفذ منها وصاياه وتقضى منها ديونه، ولو كانت للورثة ابتداء لم يكن كذلك.
والثاني: تجب ولا يؤثر إذنه، بناء على أنها تثبت للورثة ابتداء عقب هلاك المقتول.
تنبيه: لو لم يقل: وإلا قتلتك كان الحكم كذلك كما سيأتي في قول المصنف في باب كيفية القصاص. ولو قال:
اقتلني ففعل، فهدر. هذا كله في النفس، فلو قال له: اقطع يدي مثلا فقطعها ولم يمت فلا قود ولا دية قولا واحدا، قاله في الروضة. فإن مات فعلى الخلاف. ومحله فيما إذا أمكن دفعه بغير القتل، فإن قتله دفعا فلا ضمان عليه جزما كما أشار إليه الشيخان وجزم به ابن الرفعة. فإن قيل: إذا أمكنه دفعه بغير القتل، فقد انتفى الاكراه فينبغي أن يجب القصاص جزما. أجيب بأن الاذن بلا إكراه مسقط. وقد حكى الرافعي الطريقين في الاذن المجرد، ثم قال: فإن انضم إلى ذلك إكراه فسقوط القصاص أوجه. ولو قال: اقذفني وإلا قتلتك فقذفه فلا حد على الصواب في زوائد الروضة، ولو كان الآذن عبدا لم يسقط الضمان. وفي القصاص إذا كان المأذون له عبدا وجهان، أظهرهما السقوط. ولو أكرهه على إكراه غيره اقتص منهم، وللمأمور بالقتل دفع المكره، وللثالث دفعهما، وإن أفضى إلى القتل فهدر، والمكره هنا هو المحمول على قتل معين لا يجد عنه محيصا. (و) حينئذ (لو قال) لشخص: (اقتل زيدا أو عمرا) وإلا قتلتك (فليس بإكراه) حقيقة، فمن قتله منهما فهو مختار لقتله فيلزمه القصاص له، ولا شئ على الآمر غير الاثم. وقال القاضي حسين: هو إكراه لأنه لا يتخلص إلا بقتل أحدهما فهو ملجأ إليه، وصححه البلقيني، قال: وليس هذا كإكراهه على طلاق إحدى زوجتيه فإن عليه أن يقول: إحداهما طالق، فإذا طلق معينة كان مختارا.
(١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الجراح 2
2 فصل: في الجناية من اثنين وما يذكر معها 12
3 فصل: في أركان القصاص في النفس، وهي ثلاثة الخ 13
4 فصل: في تغير حال المجروح من وقت الجرح إلى الموت الخ 23
5 فصل: في شروط القصاص في الأطراف والجراحات والمعاني، وفي إسقاط الشجاج الخ 25
6 باب كيفية القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه 30
7 فصل: في اختلاف ولي الدم والجاني 38
8 فصل: في مستحق القصاص ومستوفيه 39
9 فصل: في موجب العمد، وفي العفو 48
10 كتاب الديات 53
11 فصل: في موجب ما دون النفس، وهو ثلاثة أقسام الخ 58
12 فصل: تجب الحكومة فيما لا مقدر فيه الخ 77
13 باب موجبات الدية والعاقلة والكفارة 80
14 فصل: فيما يوجب الشركة في الضمان وما يذكر معه 89
15 فصل: في العاقلة، وكيفية تأجيل ما تحمله 95
16 فصل: في جناية الرقيق 100
17 فصل: في دية الجنين 103
18 فصل: في كفارة القتل التي هي من موجباته 107
19 كتاب دعوى الدم والقسامة 109
20 فصل: فيما يثبت موجب القصاص وموجب المال من إقرار وشهادة 118
21 كتاب البغاة 123
22 فصل: في شروط الإمام الأعظم الخ 129
23 كتاب الردة 133
24 كتاب الزنا 143
25 كتاب حد القذف 155
26 كتاب قطع السرقة 158
27 فصل: فيما لا يمنع القطع وما يمنعه الخ 170
28 فصل: في شروط السارق الخ 174
29 باب قاطع الطريق 180
30 فصل: في اجتماع عقوبات في غير قاطع الطريق 184
31 كتاب الأشربة 186
32 فصل: في التعزير 191
33 كتاب الصيال وضمان الولاة 194
34 فصل: في ضمان ما تتلفه البهائم 204
35 كتاب السير 208
36 فصل: فيما يكره من الغزو الخ 220
37 فصل: في حكم ما يؤخذ من أهل الحرب 227
38 فصل: في الأمان 236
39 كتاب الجزية 242
40 فصل: في أقل الجزية دينار لكل سنة 248
41 فصل: في أحكام عقد الجزية الزائدة على ما مر 253
42 باب الهدنة 260
43 كتاب الصيد والذبائح 265
44 فصل: يحل ذبح حيوان مقدور عليه الخ 273
45 فصل: فيما يملك به الصيد وما يذكر معه 278
46 كتاب الأضحية 282
47 فصل: في العقيقة 293
48 كتاب الأطعمة 297
49 كتاب المسابقة والمناضلة 311
50 كتاب الايمان 320
51 فصل: في صفة كفارة اليمين 327
52 فصل: في الحلف على السكنى والمساكنة الخ 329
53 فصل: في الحلف على أكل أو شرب الخ 335
54 فصل: في مسائل منثورة 342
55 فصل: في الحلف على أن لا يفعل كذا 350
56 كتاب النذر 354
57 فصل: في نذر حج أو عمرة أو هدي أو غيرها 362
58 كتاب القضاء 371
59 فصل: فيما يعرض للقاضي مما يقتضي عزله الخ 380
60 فصل: في آداب القضاء وغيرها 385
61 فصل: في التسوية بين الخصمين 400
62 باب القضاء على الغائب 406
63 فصل: في بيان الدعوى بعين غائبة أو غيرها الخ 411
64 فصل: في ضابط الغائب المحكوم عليه الخ 414
65 باب القسمة 418
66 كتاب الشهادات 426
67 فصل: في بيان ما يعتبر فيه شهادة الرجال الخ 440
68 فصل: في تحمل الشهادة وأدائها وكتابة الصك 450
69 فصل: في جواز تحمل الشهادة على الشهادة وأدائها 452
70 فصل: في رجوع الشهود عن شهادتهم 456
71 كتاب الدعوى والبينات 461
72 فصل: فيما يتعلق بجواب المدعى عليه 468
73 فصل: في كيفية الحلف والتغليظ فيه الخ 472
74 فصل: في تعارض البينتين مع شخصين 480
75 فصل: في اختلاف المتداعيين في العقود وغيرها 485
76 فصل: في شروط القائف 488
77 كتاب العتق 491
78 فصل: في العتق بالبعضية 499
79 فصل: في الاعتاق في مرض الموت الخ 502
80 فصل: في الولاء 506
81 كتاب التدبير 509
82 فصل: في حكم حمل المدبرة والمعلق عتقها الخ 513
83 كتاب الكتابة 516
84 فصل: فيما يلزم السيد بعد الكتابة الخ 521
85 فصل: في لزوم الكتابة وجوازها الخ 528
86 فصل: في مشاركة الكتابة الفاسدة الصحيحة ومخالفتها لها 532
87 كتاب أمهات الأولاد 538
88 التعريف بالامام النووي 545
89 التعريف بالامام الشربيني الخطيب 548