مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٤ - الصفحة ١٣٧
لأنه ظهر منه ما يدل على التجسم، والمشهور أنا لا نكفر المجسمة، وفيها أيضا عن القاضي عياض: أنه لو شفي مريض ثم قال: لقيت في مرضي هذا ما لو قتلت أبا بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما لم أستوجبه، فقال بعض العلماء: يكفر ويقتل لأنه يتضمن النسبة إلى الجور، وقال آخرون: لا يتحتم قتله ويستناب ويعزر اه‍. وقال المحب الطبري: الأظهر أنه لا يكفر، وقال صاحب الأنوار في مسألة: لو أعطاني الله الجنة ما دخلتها أنه يكفر، والأولى كما قال الأذرعي: أنه إن قال ذلك استخفافا أو استغناء كفر، وإن أطلق فلا. وقال الأسنوي في مسألة من صلى بنجس ما اقتضاه كلامه من كفر من استحل الصلاة بنجس ممنوع فإنه ليس مجمعا على تحريمها، بل ذهب جماعة من العلماء إلى الجواز كما ذكره المصنف في مجموعه اه‍. وحيث كان كذلك فلا يكفر.
فائدة: لا بدع ولا إشكال في العبارة المعزوة إلى إمامنا الشافعي رضي الله عنه في قوله: أنا مؤمن إن شاء الله فهي مروية عن عمر، وصحت عن ابن مسعود وهي قول أكثر السلف والشافعية والمالكية والحنابلة وسفيان الثوري والأشعرية، وحكي عن أبي حنيفة إنكارها. قال الدميري: وهو عجيب لأنها صحت عن ابن مسعود وهو شيخ شيخ شيخ شيخه، والقائلون بجواز قولها اختلفوا في الوجوب، وذكر العلماء لها محامل كثيرة، والصواب عدم الاحتياج إلى تلك المحامل لأن حقيقة أنا مؤمن هو جواب الشرط أو دليل الجواب، وكل منهما لا بد أن يكون مستقبلا، فمعناه أنا مؤمن في المستقبل إن شاء الله، وحينئذ لا حاجة إلى تأويل، بل تعليقه واضح مأمور به بقوله تعالى: * (ولا تقولن لشئ إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله) * ويعتبر فيمن يصير مرتدا بشئ مما مر أن يكون مكلفا مختارا (و) حينئذ (لا تصح ردة صبي) ولو مميزا (و) لا ردة (مجنون) تكليفهما، فلا اعتداد بقولهما واعتقادهما.
تنبيه: المراد أنه لا يترتب عليهما حكم الردة وإلا فالردة فعل معصية كالزنا فكيف يوصف بالصحة عدمها (و) لا ردة (مكره) وقلبه مطمئن بالايمان كما نص عليه الكتاب العزيز فإن رضي بقلبه فمرتد.
تنبيه: لو تجرد قلبه عند الاكراه على التلفظ عن اعتقاد إيمان وكفر، ففي كونه مرتدا وجهان، وينبغي أن لا يكون مرتدا لأن الايمان كان موجودا قبل الاكراه، وقول المكره ملغى ما لم يحصل منه اختيار لما أكره عليه كما لو أكره على الطلاق فإن العصمة كانت موجودة قبل الاكراه، فإذا لم يحصل منه اختيار لما أكره عليه لم يقع عليه طلاق (ولو ارتد) ولم يستتب (فجن لم يقتل في جنونه) لأنه قد يعقل ويعود إلى الاسلام، فإن قتل مجنونا لم يجب على قاتله شئ كما نقلاه عن التهذيب وأقراه، وقضية هذا أن التأخير مستحب. قال الأسنوي: وهو غير مستقيم، فإن تصحيح وجوب التوبة ينفيه. قال الزركشي: وظاهر نص الام يقتضي وجوب التأخير وهو الوجه اه‍. وعلى هذا يعزر قاتله لتفويته الاستتابة الواجبة، ويحمل قول المهذب لم يجب شئ، أي من قصاص أو دية.
تنبيه: أشار المصنف بالتعبير بالفاء إلى تعقب الجنون الردة للاحتراز عما إذا ارتد واستتيب فلم يتب، ثم جن فإنه يجوز قتله في حال جنونه، ولو أقر بما يوجب حد الله تعالى، ثم جن لا يقام عليه حينئذ احتياطا لأنه قد يرجع عن الاقرار، فلو استوفى منه حينئذ لم يجب فيه شئ بخلاف ما لو ثبت ببينة أو أقر بقذف أو قصاص ثم جن فإنه يستوفى منه في جنونه لأنه لا يسقط برجوعه (والمذهب صحة ردة السكران) المتعدي بسكره كطلاقه وسائر تصرفاته، وفي صحة استتابته حال سكره وجهان: أحدهما نعم كما تصح ردته وعليه الجمهور، ونقله الرافعي عن النص، وقال العمراني: إنه المذهب المنصوص والأسنوي: أنه المفتى به، لكن يندب تأخيرها إلى الإفاقة خروجا من خلاف من قال بعدم صحة توبته، وهو الوجه الثاني القائل بأن الشبهة لا تزول في تلك الحالة. أما غير المتعدي بسكره كأن أكره على شربها فلا يحكم عليه بالارتداد كما في طلاقه وغيره (و) المذهب صحة (إسلامه) عن ردته، ولو ارتد صاحيا ثم
(١٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 132 133 134 135 136 137 138 139 140 141 142 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الجراح 2
2 فصل: في الجناية من اثنين وما يذكر معها 12
3 فصل: في أركان القصاص في النفس، وهي ثلاثة الخ 13
4 فصل: في تغير حال المجروح من وقت الجرح إلى الموت الخ 23
5 فصل: في شروط القصاص في الأطراف والجراحات والمعاني، وفي إسقاط الشجاج الخ 25
6 باب كيفية القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه 30
7 فصل: في اختلاف ولي الدم والجاني 38
8 فصل: في مستحق القصاص ومستوفيه 39
9 فصل: في موجب العمد، وفي العفو 48
10 كتاب الديات 53
11 فصل: في موجب ما دون النفس، وهو ثلاثة أقسام الخ 58
12 فصل: تجب الحكومة فيما لا مقدر فيه الخ 77
13 باب موجبات الدية والعاقلة والكفارة 80
14 فصل: فيما يوجب الشركة في الضمان وما يذكر معه 89
15 فصل: في العاقلة، وكيفية تأجيل ما تحمله 95
16 فصل: في جناية الرقيق 100
17 فصل: في دية الجنين 103
18 فصل: في كفارة القتل التي هي من موجباته 107
19 كتاب دعوى الدم والقسامة 109
20 فصل: فيما يثبت موجب القصاص وموجب المال من إقرار وشهادة 118
21 كتاب البغاة 123
22 فصل: في شروط الإمام الأعظم الخ 129
23 كتاب الردة 133
24 كتاب الزنا 143
25 كتاب حد القذف 155
26 كتاب قطع السرقة 158
27 فصل: فيما لا يمنع القطع وما يمنعه الخ 170
28 فصل: في شروط السارق الخ 174
29 باب قاطع الطريق 180
30 فصل: في اجتماع عقوبات في غير قاطع الطريق 184
31 كتاب الأشربة 186
32 فصل: في التعزير 191
33 كتاب الصيال وضمان الولاة 194
34 فصل: في ضمان ما تتلفه البهائم 204
35 كتاب السير 208
36 فصل: فيما يكره من الغزو الخ 220
37 فصل: في حكم ما يؤخذ من أهل الحرب 227
38 فصل: في الأمان 236
39 كتاب الجزية 242
40 فصل: في أقل الجزية دينار لكل سنة 248
41 فصل: في أحكام عقد الجزية الزائدة على ما مر 253
42 باب الهدنة 260
43 كتاب الصيد والذبائح 265
44 فصل: يحل ذبح حيوان مقدور عليه الخ 273
45 فصل: فيما يملك به الصيد وما يذكر معه 278
46 كتاب الأضحية 282
47 فصل: في العقيقة 293
48 كتاب الأطعمة 297
49 كتاب المسابقة والمناضلة 311
50 كتاب الايمان 320
51 فصل: في صفة كفارة اليمين 327
52 فصل: في الحلف على السكنى والمساكنة الخ 329
53 فصل: في الحلف على أكل أو شرب الخ 335
54 فصل: في مسائل منثورة 342
55 فصل: في الحلف على أن لا يفعل كذا 350
56 كتاب النذر 354
57 فصل: في نذر حج أو عمرة أو هدي أو غيرها 362
58 كتاب القضاء 371
59 فصل: فيما يعرض للقاضي مما يقتضي عزله الخ 380
60 فصل: في آداب القضاء وغيرها 385
61 فصل: في التسوية بين الخصمين 400
62 باب القضاء على الغائب 406
63 فصل: في بيان الدعوى بعين غائبة أو غيرها الخ 411
64 فصل: في ضابط الغائب المحكوم عليه الخ 414
65 باب القسمة 418
66 كتاب الشهادات 426
67 فصل: في بيان ما يعتبر فيه شهادة الرجال الخ 440
68 فصل: في تحمل الشهادة وأدائها وكتابة الصك 450
69 فصل: في جواز تحمل الشهادة على الشهادة وأدائها 452
70 فصل: في رجوع الشهود عن شهادتهم 456
71 كتاب الدعوى والبينات 461
72 فصل: فيما يتعلق بجواب المدعى عليه 468
73 فصل: في كيفية الحلف والتغليظ فيه الخ 472
74 فصل: في تعارض البينتين مع شخصين 480
75 فصل: في اختلاف المتداعيين في العقود وغيرها 485
76 فصل: في شروط القائف 488
77 كتاب العتق 491
78 فصل: في العتق بالبعضية 499
79 فصل: في الاعتاق في مرض الموت الخ 502
80 فصل: في الولاء 506
81 كتاب التدبير 509
82 فصل: في حكم حمل المدبرة والمعلق عتقها الخ 513
83 كتاب الكتابة 516
84 فصل: فيما يلزم السيد بعد الكتابة الخ 521
85 فصل: في لزوم الكتابة وجوازها الخ 528
86 فصل: في مشاركة الكتابة الفاسدة الصحيحة ومخالفتها لها 532
87 كتاب أمهات الأولاد 538
88 التعريف بالامام النووي 545
89 التعريف بالامام الشربيني الخطيب 548