مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٤ - الصفحة ١٢٧
في إزالة الشبهة أمهلهم ليتضح لهم الحق، وإن ظهر لهم أنهم يحتالون لاجتماع عساكرهم وانتظار مددهم لم يمهلهم، وإن سألوا ترك القتال أبدا لم يجبهم.
تنبيه: قضية كلامه أن مدة الامهال لا تتقيد وهو كذلك، بل ترجع إلى ما يراه الإمام، وفي التهذيب كيوم أو يومين، وفي المهذب ثلاثة أيام، وقضيته أيضا مراعاة هذا التدريج في القتال وهو كذلك وبه صرح الإمام فقال: سبيله سبيل دفع الصائل من الاقتصار على الأدنى فالأدنى (ولا يقاتل مدبرهم) إذا وقع قتال، ولا من ألقى سلاحه وأعرض عن القتال (ولا مثخنهم) بفتح المعجمة اسم مفعول من أثخنه الجرح إذا أضعفه (و) لا (أسيرهم) إذا كان الإمام يرى رأينا فيهم لقوله تعالى: * (حتى تفئ) * والفيئة الرجوع عن القتال بالهزيمة. روى ابن أبي شيبة بإسناد حسن أن عليا رضي الله عنه أمر مناديه يوم الجمل فنادى: لا يتبع مدبر، ولا يذفف على جريح، ولا يقتل أسير، ومن أغلق بابه فهو آمن، ومن ألقى سلاحه فهو آمن، ولان قتالهم شرع للدفع عن منع الطاعة وقد زال أما إذا كان لا يرى ذلك فلا اعتراض عليه، ويستثنى من إطلاق المصنف المدبر المتحرف للقتال، أو المتحيز إلى فئة قريبة فيقاتلان، بخلاف المتحيز إلى فئة بعيدة، وما إذا انهزموا مجتمعين تحت راية زعيمهم، فإنهم يقاتلون حتى يرجعوا إلى الطاعة. قال الإمام: أو يتبددوا.
تنبيه: عبر في المحرر في المدبر بالقتال، وفي الآخرين بالقتل، وهو أولى من تعبير المصنف، لأن المثخن والأسير لا يقاتلان، وقد يفهم من منع قتل هؤلاء وجوب القصاص بقتلهم، والأصح أنه لا قصاص لشبهة أبي حنيفة (ولا يطلق) أسيرهم بل يحبس كما صرح به الماوردي وغيره، إذ بحبسه تضعف البغاة (وإن كان صبيا وامرأة) وعبدا (حتى تنقضي الحرب و) تؤمن غائلتهم بأن (يتفرق جمعهم) لينكشف شرهم ولا يتوقع عودهم.
تنبيه: ظاهر عبارته استمرار حبسهم إلى أن (يتفرق جمعهم) ومحله في الرجل الحر المتأهل للقتال وكذا الصبي والمرأة والعبد والشيخ الفاني إن كانوا مقاتلين كما قاله الإمام وغيره في الأولين، ويلحق بهما الآخران، وإلا أطلقوا بمجرد انقضاء الحرب وإن خفنا عودهم (إلا أن يطيع) الأسير (باختياره) بمبايعة الإمام والرجوع عن البغي إلى الطاعة فيطلق قبل ذلك.
تنبيه: هذا الاستثناء خاص بالرجل الحر، أما الصبيان والنساء والعبيد فلا بيعة لهم (ويرد) وجوبا (سلاحهم وخيلهم) وغيرهما (إليهم إذا انقضت الحرب وأمنت غائلتهم) أي شرهم بتفرقهم أو ردهم للطاعة لزوال المحذور حينئذ.
تنبيه: فهم من رد السلاح والخيل إليهم غيرهما من الأموال التي ليست عونا لهم في القتال من باب أولى (ولا يستعمل) أي يحرم استعمال شئ من سلاحهم وخيلهم أو غيرهما من أموالهم (في قتال) وغيره لعموم قوله (ص) لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه. (إلا لضرورة) كما إذا خيف انهزام أهل العدل ولم يجدوا غير خيولهم فيجوز لهم ركوبها وكذا إن لم يجدوا ما يدفعون به عنهم غير سلاحهم.
تنبيه: قضية ذلك وجوب أجرة استعمالها في القتال للضرورة كالمضطر إذا أكل طعام غيره، إنه يلزمه بدله، والأوجه كما اقتضاه كلام الأنوار خلافا لما مر من أنه لا ضمان لما يتلف في القتال وتفارق مسألة المضطر بأن الضرورة فيها نشأت من المضطر بخلافه في مسألتنا فإنها إنما نشأت من جهة المالك (ولا يقاتلون بعظيم كنار ومنجنيق) وإرسال سيل وأسود وحيات ونحوها من المهلكات لأن المقصود من حالهم ردهم إلى الطاعة كما مر، وقد يرجعون فلا يجدون للنجاة سبيلا، وفي الحديث الصحيح: لا يعذب بالنار إلا ربها.
تنبيه: لو عبر بما يعم لكان أولى، لأن آلة الحرب قد تعظم ولكن لا تعم، وليس المنع إلا مما يعم لأنه قد
(١٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 122 123 124 125 126 127 128 129 130 131 132 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الجراح 2
2 فصل: في الجناية من اثنين وما يذكر معها 12
3 فصل: في أركان القصاص في النفس، وهي ثلاثة الخ 13
4 فصل: في تغير حال المجروح من وقت الجرح إلى الموت الخ 23
5 فصل: في شروط القصاص في الأطراف والجراحات والمعاني، وفي إسقاط الشجاج الخ 25
6 باب كيفية القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه 30
7 فصل: في اختلاف ولي الدم والجاني 38
8 فصل: في مستحق القصاص ومستوفيه 39
9 فصل: في موجب العمد، وفي العفو 48
10 كتاب الديات 53
11 فصل: في موجب ما دون النفس، وهو ثلاثة أقسام الخ 58
12 فصل: تجب الحكومة فيما لا مقدر فيه الخ 77
13 باب موجبات الدية والعاقلة والكفارة 80
14 فصل: فيما يوجب الشركة في الضمان وما يذكر معه 89
15 فصل: في العاقلة، وكيفية تأجيل ما تحمله 95
16 فصل: في جناية الرقيق 100
17 فصل: في دية الجنين 103
18 فصل: في كفارة القتل التي هي من موجباته 107
19 كتاب دعوى الدم والقسامة 109
20 فصل: فيما يثبت موجب القصاص وموجب المال من إقرار وشهادة 118
21 كتاب البغاة 123
22 فصل: في شروط الإمام الأعظم الخ 129
23 كتاب الردة 133
24 كتاب الزنا 143
25 كتاب حد القذف 155
26 كتاب قطع السرقة 158
27 فصل: فيما لا يمنع القطع وما يمنعه الخ 170
28 فصل: في شروط السارق الخ 174
29 باب قاطع الطريق 180
30 فصل: في اجتماع عقوبات في غير قاطع الطريق 184
31 كتاب الأشربة 186
32 فصل: في التعزير 191
33 كتاب الصيال وضمان الولاة 194
34 فصل: في ضمان ما تتلفه البهائم 204
35 كتاب السير 208
36 فصل: فيما يكره من الغزو الخ 220
37 فصل: في حكم ما يؤخذ من أهل الحرب 227
38 فصل: في الأمان 236
39 كتاب الجزية 242
40 فصل: في أقل الجزية دينار لكل سنة 248
41 فصل: في أحكام عقد الجزية الزائدة على ما مر 253
42 باب الهدنة 260
43 كتاب الصيد والذبائح 265
44 فصل: يحل ذبح حيوان مقدور عليه الخ 273
45 فصل: فيما يملك به الصيد وما يذكر معه 278
46 كتاب الأضحية 282
47 فصل: في العقيقة 293
48 كتاب الأطعمة 297
49 كتاب المسابقة والمناضلة 311
50 كتاب الايمان 320
51 فصل: في صفة كفارة اليمين 327
52 فصل: في الحلف على السكنى والمساكنة الخ 329
53 فصل: في الحلف على أكل أو شرب الخ 335
54 فصل: في مسائل منثورة 342
55 فصل: في الحلف على أن لا يفعل كذا 350
56 كتاب النذر 354
57 فصل: في نذر حج أو عمرة أو هدي أو غيرها 362
58 كتاب القضاء 371
59 فصل: فيما يعرض للقاضي مما يقتضي عزله الخ 380
60 فصل: في آداب القضاء وغيرها 385
61 فصل: في التسوية بين الخصمين 400
62 باب القضاء على الغائب 406
63 فصل: في بيان الدعوى بعين غائبة أو غيرها الخ 411
64 فصل: في ضابط الغائب المحكوم عليه الخ 414
65 باب القسمة 418
66 كتاب الشهادات 426
67 فصل: في بيان ما يعتبر فيه شهادة الرجال الخ 440
68 فصل: في تحمل الشهادة وأدائها وكتابة الصك 450
69 فصل: في جواز تحمل الشهادة على الشهادة وأدائها 452
70 فصل: في رجوع الشهود عن شهادتهم 456
71 كتاب الدعوى والبينات 461
72 فصل: فيما يتعلق بجواب المدعى عليه 468
73 فصل: في كيفية الحلف والتغليظ فيه الخ 472
74 فصل: في تعارض البينتين مع شخصين 480
75 فصل: في اختلاف المتداعيين في العقود وغيرها 485
76 فصل: في شروط القائف 488
77 كتاب العتق 491
78 فصل: في العتق بالبعضية 499
79 فصل: في الاعتاق في مرض الموت الخ 502
80 فصل: في الولاء 506
81 كتاب التدبير 509
82 فصل: في حكم حمل المدبرة والمعلق عتقها الخ 513
83 كتاب الكتابة 516
84 فصل: فيما يلزم السيد بعد الكتابة الخ 521
85 فصل: في لزوم الكتابة وجوازها الخ 528
86 فصل: في مشاركة الكتابة الفاسدة الصحيحة ومخالفتها لها 532
87 كتاب أمهات الأولاد 538
88 التعريف بالامام النووي 545
89 التعريف بالامام الشربيني الخطيب 548