منزل على السؤال فينبغي وقوع الثلاث كما قالوا فيما لو قال: طلقي نفسك ثلاثا، فقالت بلا نية طلقت فإنها تطلق ثلاثا.
أجيب بأن السائل في تلك مالك للطلاق، بخلافه في هذه. أو طلقها طلقة رجعية. ثم قال: جعلتها ثلاثا لم يقع به شئ.
ولو قال: أنت طالق ملء الدنيا أو مثل الجبل أو أعظم الطلاق أو أكبره بالباء الموحدة، أو أطوله أو أعرضه أو أشده أو نحوها وقعت واحدة فقط، وكذا لو قال: بعدد التراب بناء على قول الجمهور أن التراب اسم جنس لا جمع، أو: بعدد شعر إبليس لأنه نجز الطلاق وربط عدده بشئ شككنا فيه فنوقع أصل الطلاق ونلغي العدد. ولو قال: أنت طالق بعدد أنواع التراب أو أكثر الطلاق بالمثلثة أو كله أو: يا مائة طالق أو أنت مائة طالق وقع الثلاث لظهور ذلك فيها. ولو قال: أنت طالق أقل من طلقتين وأكثر من طلقة وقع طلقتان كما نقله الأسنوي عن أبي المعالي وصوبه. ثم شرع في تكرير الطلاق، فقال: (وإن) أتى بثلاث جمل تكرر فيها لفظ المبتدأ أو الخبر، كأن (قال) لمدخول بها: (أنت طالق أنت طالق أنت طالق وتخلل فصل فثلاث) سواء أقصد التأكيد أم لا، لأنه خلاف الظاهر، لكن إذا قال: قصدت التأكيد فإنه يدين فإن تكرر لفظ الخبر فقط كأنت طالق طالق طالق فكذا عند الجمهور، خلافا للقاضي في قوله يقع واحدة، ولو لم يرفع المكرر بل نصبه كأنت طالق طالقا لم يقع شئ في الحال كما قاله العبادي: لكن إذا طلقها وقع طلقتان والتقدير: إذا صرت مطلقة فأنت طالق.
تنبيه: المراد بالفصل أن يسكت فوق سكتة التنفس، قال الإمام: وهو كالاستثناء في الاتصال لا كالايجاب والقبول فإنه كلام شخص واحد. وهذا في الطلاق المنجز، أما المعلق كإن دخلت الدار فأنت طالق إن دخلت الدار فأنت طالق إن دخلت الدار فأنت طالق فإن الطلاق لا يتعدد إلا إن نوى الاستئناف، فإن نواه تعدد، بخلاف ما لو نوى الاستئناف في نظيره من الايمان لا تتعدد الكفارة، لأن الطلاق محصور، فقصد الاستئناف يقتضي استيفاءه، بخلاف الكفارة، ولان الكفارة تشبه الحدود المتحدة الجنس فتتداخل بخلاف الطلاق، وقد مرت الإشارة إلى ذلك. (وإلا) أي وإن لم يتخلل فصل، (فإن قصد تأكيدا) أي قصد تأكيد الأولى بالأخيرتين، (فواحدة) أي تقع لأن التأكيد في كلامهم معهود في جميع اللغات وقد ورد به الشرع.
تنبيه: بحث بعضهم اشتراط نية التأكيد من أول التأسيس أو في أثنائه على الخلاف الآتي في نية الاستثناء وهو حسن. (أو) قصد (استئنافا فثلاث) تقع لأن اللفظ ظاهر فيه وتأكد بالنية. (وكذا إن طلق) بأن لم يقصد تأكيدا ولا استئنافا يقع ثلاث (في الأظهر) عملا بظاهر اللفظ، ولان حمله على فائدة جديدة أولى منه على التأكيد، والثاني: لا يقع إلا واحدة، لأن التأكيد محتمل فيؤخذ باليقين.
تنبيه: هذا التفصيل يأتي في تكرير الكنايات كقوله: اعتدي اعتدي اعتدي كما حكاه الرافعي في الفروع المنثورة في الصريح والكناية. ولو كانت الألفاظ مختلفة ونوى بها الطلاق وقع بكل لفظة طلقة كما في الروضة وأصلها. ولو اختلف ألفاظ الصريح كأنت مطلقة أنت مسرحة، فهو كقوله: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق على الأصح، وقيل: يقع في هذه الثلاث قطعا، حكاه الحناطي. قال الزركشي: وينبغي أن يلحق بالاطلاق ما لو تعذرت مراجعته بموت أو جنون أو نحوه، قال: ولم يتعرضوا له اه. وهو ظاهر وتصوير المصنف وغيره التأكيد بثلاث قد يقتضي أنه لا يصح منه إرادة التأكيد بالرابعة. وقال في التوشيح: إنه الذي يتجه. وقال ابن عبد السلام: إن العرب لا تؤكد أكثر من ثلاث مرات. وقال البلقيني: الحكم عندي في ذلك كالحكم في صورة تكريره ثلاثا، ولا ينبغي أن يتخيل أن الرابعة تقع بها طلقة لفراغ العدد، لأنه إذا صح التأكيد بما يقع لولا قصد التأكيد فلان يؤكد بما لا يقع عند قصد التأكيد أولى اه. والمتجه كما قال الأسنوي في التمهيد أنه يقبل التأكيد مطلقا كما أطلقه الأصحاب في الاقرار وغيره.
(وإن قصد بالثانية تأكيدا) للأولى، (وبالثالثة استثناء أو عكس) بأن قصد بالثانية استئنافا وبالثالثة تأكيدا للثانية،