موضعها فضاعت بذلك لمنافاة ذلك للحفظ، بخلاف ما إذا أعلمه بها غيره لأنه لم يلتزم حفظها، وبخلاف ما إذا ضاعت بغير ذلك أو به ولم يعين موضعها. ولو أعلمه بها هو وغيره لا شئ على غيره وعليه هو الضمان لما مر.
تنبيه: قضية كلام المصنف أنه يضمن ولو أعلم المصادر بها مكرها، وهو كذلك. قال السبكي: وهذا يجب القطع به. وفرق بينه وبين المحرم إذا دل على صيد حيث لم يضمنه، بأن الوديع التزم الحفظ بخلاف المحرم. وحمل الزركشي نقل الماوردي عن مذهب الشافعي أنه لا يضمن على قرار الضمان لا أنه لا يكون ضامنا. وقضية كلامه أيضا حصر التضييع فيما ذكره، وليس مرادا، بل منه الضياع بالنسيان. ومنه دفنها في حرز ثم ينساه. ومنه ما لو قعد في الطريق ثم قام ونسي الوديعة. ولو عين المالك للوديعة ظرفا من ظروفه فنقلها الوديع منه إلى غيره منها وهو مساو له أو أعلى منه فلا يضمن لأن الظرف والمظروف وديعتان وليس فيه إلا حفظ أحدهما في حرز والآخر في آخر، وإن كان الثاني دون المعين ضمن، وإن كانت الظروف للوديع فكالبيوت فيما مر فيها. ولو نهاه عن دخول أحد عليها، أو عن الاستعانة على حفظها بحارث، أو عن الاخبار بها فخالفه فيه، ضمن إن كان أخذها الداخل عليها أو الحارس لها أو تلفت بسبب الاخبار وإن لم يعين موضعها. وإن أخذها غير من ذكر أو تلفت لا بسبب الاخبار فلا ضمان، فقول العبادي:
ولو سأله رجل هل عندك لفلان وديعة وأخبره ضمن لأن كتمانها من حفظها، محمول على الضمان بالأخذ لا بسبب آخر.
(فلو أكرهه) أي الوديع، (ظالم) على تسليم الوديعة (حتى سلمها إليه فللمالك تضمينه) أي الوديع (في الأصح) لتسليمه، والضمان يستوي فيه الاختيار والاضطرار. (ثم يرجع) الوديع (على الظالم) لاستيلائه عليها.
والثاني: ليس له تضمينه للاكراه ويطالب الظالم، وعلى الأول مطالبة الظالم أيضا. وخرج بقوله: سلمها إليه ما لو أخذها الظالم بنفسه قهرا من غير دلالة فالضمان عليه فقط جزما. فإن قيل: رجح المصنف فيما لو أكره الصائم حتى أكل عدم الفطر مع موافقته على ترجيح التضمين هنا فهلا كان هنا كذلك أجيب بأن هنا استيلاء على ملك الغير فضمناه، وفي الصوم فعله كلا فعل، لأن الحق فيه لله تعالى. ويجب على الوديع إنكار الوديعة عن الظالم والامتناع من إعلامه بها جهده، فإن ترك ذلك مع القدرة عليه ضمن، وله أن يحلف على ذلك لمصلحة حفظها، قال الأذرعي: ويتجه وجوب الحلف إذا كانت الوديعة رقيقا والظالم يريد قتله أو الفجور به. ويجب أن يوري في يمينه إذا حلف وأمكنته التورية وكأن يعرفها لئلا يحلف كاذبا، فإن لم يور كفر عن يمينه لأنه كاذب فيها، فإن حلف بالطلاق أو العتق مكرها عليه أو على اعترافه فحلف حنث لأنه فدى الوديعة بزوجته أو رقيقه، وإن اعترف بها وسلمها ضمنها لأنه فدى زوجته أو رقيقه بها، ولو أعلم اللصوص بمكانها فضاعت بذلك ضمن لمنافاة ذلك للحفظ لا إن أعلمهم بأنها عنده من غير تعيين مكانها فلا يضمن بذلك. (ومنها) أي عوارض الضمان، (أن ينتفع بها بأن يلبس) الثوب مثلا (أو يركب) الدابة (خيانة) بخاء معجمة، أي لا لعذر فيضمن لتعديه. قال المتولي: ومنه القراءة في الكتاب. وخرج بقوله: خيانة ركوب الجموح للسقي، أو خوف الزمانة عليها، ولبس الصوف ونحوه لدفع الدود ونحوه، وما لو أودعه خاتمه وأمره بلبسه في خنصره فجعله في بنصره فإنه لا يضمن لأنه أحرز لكونه أغلظ، إلا إن جعله في أعلاه أو في وسطه أو انكسر لغظ البنصر فيضمن لأن أسفل الخنصر. البنصر فيضمن لأن أسفل الخنصر أحفظ من أعلى البنصر ووسطه في غير الأخيرة وللمخالفة في الأخيرة. وإن قال له:
اجعله في البنصر فجعله في الخنصر، فإن كان لا ينتهي إلى أصل البنصر فالذي فعله أحرز فلا ضمان، وإلا ضمن. ولو لم يأمره بشئ فوضعه في الخنصر لا غيرها ضمن لأنه استعمله بلا ضرورة، بخلاف ما لو وضعه في غيرها لأن ذلك لا يعد استعمالا، نعم إن قصد بلبسه فيها الحفظ لم يضمن. وغير الخنصر للمرأة في حفظها للخاتم كالخنصر، لأنها قد تتختم في غيره.
قال الأسنوي: والخنثى يحتمل إلحاقه بالرجل إذا لبس الخاتم في غير خنصره، لأن الأصل عدم الضمان، ويحتمل مراعاة الأغلظ هنا وهو التحاقه بالمرأة كما غلظنا في إيجاب الزكاة فألحقناه بالرجل اه. وهذا الثاني هو المتجه.