فاحتج له الشافعي رضي الله عنه بحديث: رفع القلم عن ثلاث قال: والسكران ليس في معنى واحد من هؤلاء، فإنه يجب عليه قضاء الصلاة والصوم وغيرهما، فالقلم غير مرفوع عنه بخلاف المجنون. قال الشافعي: رضي الله عنه: وهو قول أكثر من لقيته من المفتين. وأما المتداوي فإنه في معناه. (وفي قول لا) ينفذ شئ من تصرفه لأنه ليس له فهم صحيح.
(وقيل) ينفذ تصرفه (عليه) كالطلاق والاقرار تغليظا عليه، واحترز بقوله: أثم عما إذا لم يأثم، كما إذا أوجز خمرا أو أكره على شربها أو شرب دواء يزيل العقل بقصد التداوي، فإنه لا يقع طلاقه ولا يصح تصرفه.
تنبيه: مقتضى إطلاق المصنف أنه لو تعدى بسكره، ثم نشأ عن سكره جنونه أن حكمه كالسكران، وهو كذلك كما صرح به في البحر. وفيه أيضا لو أوقع السكران الطلاق ثم ادعى الاكراه على الشرب أو الجهل بإسكار ما شربه ورام عدم الوقوع صدق بيمينه، قال الأذرعي: وينبغي استفساره، فإن ذكر إكراها معتبرا فذاك، فإن أكثر الناس يظن ما ليس بإكراه إكراها اه. وهذا ظاهر إذا كان ممن يخفى عليه ذلك. ثم في شرع في الركن الرابع وهو المحل، أي المرأة، فقال: (ولو قال) شخص لزوجته: أنت طالق أو طلقتك فذاك واضح، وكذا لو قال: جسمك أو جسدك أو روحك أو شخصك أو جثتك أو ذاتك طالق. وإن طلق جزءا منها، كقوله: يدك أو رجلك أو نحو ذلك من أعضائها المتصلة بها، أو (ربعك أو بعضك أو جزؤك) سواء أكان معلوما كالمثال الأول أو مبهما كالمثال الثاني والثالث، أصليا كان أو زائدا، ظاهرا كما مر أو باطنا، ومثل له بقوله: (أو كبدك) أو كان الجزء مما ينفصل منها في الحياة ومثل له بقوله: (أو شعرك أو ظفرك طالق، وقع) الطلاق جزما، واحتجوا له بالاجماع، ولأنه طلاق صدر من أهله، فلا ينبغي أن يلغى، وتبعيضه متعذر، لأن المرأة لا تتبعض في حكم النكاح فوجب تعميمه، وبالقياس على العتق بجامع أن كلا منهما إزالة ملك يحصل بالصريح والكناية. ونظر في القياس بأن العتق محبوب والطلاق مبغوض، وبأن العتق يقبل التجزئة فصحت إضافته للبعض بخلاف الطلاق. (وكذا دمك) طالق يقع به الطلاق (على المذهب) لأن به قوام البدن كالروح، وفي وجه لا يقع لأنه كفضلة، وقطع بعضهم بالأول (لا فضلة كريق وعرق) وبول لا يقع بها طلاق، لأنها غير متصلة اتصال خلقة، بخلاف ما قبلها. (وكذا مني ولبن) لا يقع بهما (في الأصح) لأنهما وإن كان أصلهما دما فقد تهيأ للخروج بالاستحالة كالبول. والثاني: الوقوع كالدم، لأنه أصل كل واحد منهما، وكالفضلات الاخلاط كالبلغم. ولا بالجنين لأنه شخص مستقل بنفسه، وليس محلا للطلاق.
ولا بالعضو الملتحم بالمرأة بعد الفصل منها، لأنه كالمنفصل بدليل وجوب قطعة وعدم تعلق القصاص به، قال الزركشي:
ويؤخذ من عدم الوقوع عدم نقص الوضوء به. ولا بالمعاني القائمة بالذات كالسمع والبصر والحركة وسائر الصفات المعنوية كالحسن والقبح والملاحة، لأنها ليست أجزاء من بدنها، والشحم والسمن جزءان من البدن، فيقع بالإضافة إلى كل منهما الطلاق وإن توزع الأول. ولو قال: اسمك طالق لم تطلق إن لم يرد به الذات، فإن أرادها به طلقت.
وإن قال: نفسك - بإسكان الفاء - طالق طلقت لأنها أصل الآدمي، أما بفتح الفاء فلا لأنه أجزاء من الهواء يدخل الرئة ويخرج منها لا جزء من المرأة ولا صفة لها. ولو قال: حياتك طالق طلقت إن أراد بها الروح، وإن أراد المعنى فلا كسائر المعاني، وإن أطلق فهو كالأول كما بحثه بعض المتأخرين.
تنبيه: الطلاق فيما مر يقع على الجزء ثم يسري إلى باقي البدن كما في العتق، فلو قال: إن دخلت الدار فيمينك طالق فقطعت ثم دخلت لم تطلق، كمن خاطبها بذلك ولا يمين لها، كما قال: (ولو قال لمقطوعة يمين) مثلا (يمينك) وذكره على إرادة العضو، ولو أنث قال يمناك، (طالق، لم يقع على المذهب) المنصوص لفقدان الذي يسري منه الطلاق إلى الباقي كما في العتق، وكما لو قال لها: لحيتك أو ذكرك طالق. والطريق الثاني: تخريجه على الخلاف، فإن جعلناه