فإن تعذر عليه الابعاد عنهم استحب لهم الابعاد عنه كذلك. (ويستتر) عن أعينهم بمرتفع ثلثي ذراع فأكثر، بينه وبينه ثلاثة أذرع فأقل، لقوله (ص): من أتى الغائط فليستتر فإن لم يجد إلا أن يجمع كثيبا من رمل فليستتر به فإن الشيطان يلعب بمقاعد بني آدم، من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج. قال الترمذي أنه حسن. ويحصل الستر براحلة أو وهدة أو إرخاء ذيله: هذا إن كان بصحراء أو بناء لا يمكن تسقيفه كأن جلس في وسط مكان واسع كبستان فإن كان ببناء يمكن تسقيفه أي عادة، كفى كما في أصل الروضة. قال في المجموع: وهذا الأدب متفق على استحبابه، ومحله كما قال شيخنا: إذا لم يكن ثم من لا يغض بصره عن نظر عورته ممن يحرم عليه نظرها وإلا وجب الاستتار. وعليه يحمل قول المصنف في شرح مسلم:
يجوز كشف العورة في محل الحاجة في الخلوة كحالة الاغتسال والبول ومعاشرة الزوجة، أما بحضرة الناس فيحرم كشفها.
(ولا ببول) ولا يتغوط (في ماء راكد) للنهي عن البول في حديث مسلم، ومثله الغائط بل أولى، والنهي في ذلك للكراهة وإن كان الماء قليلا لامكان طهره بالكثرة، وفي الليل أشد كراهة لأن الماء بالليل مأوى الجن. وأما الجاري ففي المجموع عن جماعة الكراهة في القليل منه دون الكثير، أي ولكن يكره في الليل لما مر، ثم قال: وينبغي أن يحرم في القليل مطلقا لأن فيه إتلافا عليه وعلى غيره. ورد بما تقدم من التعليل وبأنه مخالف للنص وسائر الأصحاب، فهو كالاستنجاء بخرقة، ولم يقل أحد بتحريمه، ولكن يشكل بما مر من أنه يحرم استعمال الاناء النجس في الماء القليل. وأجيب بأن هناك استعمالا بخلافه هنا، ومحل عدم التحريم إذا كان الماء له ولم يتعين عليه الطهر به بأن وجد غيره، أما إذا لم يكن له ذلك كمملوك لغيره أو مسبل أوله وتعين للطهارة بأن دخل الوقت ولم يجد غيره فإنه يحرم. فإن قيل: الماء العذب ربوي لأنه مطعوم فلا يحل البول فيه كما لا يحل في الطعام. أجيب بما تقدم. ويكره أيضا قضاء الحاجة بقرب الماء الذي يكره قضاؤها فيه لعموم النهي عن البول في الموارد، وصب البول في الماء كالبول فيه. (و) لا في (جحر) وهو بضم الجيم وسكون الحاء المهملة: الخرق النازل المستدير، للنهي عنه في خبر أبي داود وغيره لما يقال أنه مسكن الجن، ولأنه قد يكون فيه حيوان ضعيف فيتأذى أو قوي فيؤذيه أو ينجسه. قيل إن سعد بن عبادة أتى سباطة قوم، فبال قائما فخر ميتا، فقالت الجن في ذلك: نحن قتلنا سيد الخز رج سعد بن عباده ورميناه بسهم فلم يخط فؤاده وقيل إن سبب موته أنه بال في جحر. ومثله السرب، وهو بفتح السين والراء: الشق المستطيل. قال في المجموع: ينبغي تحريم ذلك للنهي عنه إلا أن يعد لذلك، أي لقضاء الحاجة، فلا تحريم ولا كراهة. (و) لا في (مهب ريح) أي موضع هبوبها وإن لم تكن هابة، إذ قد تهب بعد شروعه في البول فترد عليه الرشاش. وهذا ظاهر في استقبالها، وأما استدبارها فلا يأتي فيه ذلك، ولكن يعلل بعود الرائحة الكريهة إليه كما علل به الخطابي في غريب الحديث. ومنه المراحيض المشتركة فينبغي البول في إناء وإفراغه فيها ليسلم من النجاسة، قاله الزركشي. ولا في مكان صلب لما ذكر، فإن لم يجد غيره دقه بحجر أو نحوه. (و) لا في (متحدث) للناس، وهو بفتح الدال: مكان الاجتماع، للنهي عن التخلي في ظلهم كما سيأتي، أي في الصيف. ومثله موضع اجتماعهم في الشمس في الشتاء، وشملهما قوله متحدث. (و) لا في (طريق) لهم مسلوك لقوله (ص): اتقوا اللعانين. قالوا: وما اللعانان؟ قال: الذي يتخلى في طريق الناس أو في ظلهم تسببا بذلك في لعن الناس لهما كثيرا عادة فيتسبب إليهما بصيغة المبالغة، إذ أصله اللاعنان فحول للمبالغة. والمعنى: احذروا سبب اللعن المذكور. ولخبر أبي داود بإسناد جيد: اتقوا الملاعن الثلاث: البراز في الموارد، وقارعة الطريق، والظل، والملاعن:
مواضع اللعن، والموارد: طرق الماء، والتخلي: التغوط، وكذا البراز، وهو بكسر الباء على المختار، وقيس بالغائط البول، وصرح في المذهب وغيره بكراهة ذلك في المواضع الثلاثة، وفي المجموع: ظاهر كلام الأصحاب كراهته، وينبغي حرمته للأخبار الصحيحة ولايذاء المسلمين اه. والمعتمد ما في المتن. وقارعة الطريق: أعلاه، وقيل: صدره، وقيل: ما برز منه. أما الطريق المهجور فلا كراهة فيه. ولا يبول قائما لخبر الترمذي وغيره بإسناد جيد أن