إن المراد بالأداء في الروضة الأداء الحقيقي بأن يؤتى بجميع الصلاة قبل خروج وقتها، بخلاف الاتيان بركعة منها في الوقت والباقي بعده. فتسميته أداء بتبعية ما بعد الوقت لما فيه كما تقدم في كتاب الصلاة، ولا ينافي ذلك قول المجموع صارت قضاء خلافا لبعض المتأخرين كما قاله شيخي، لأنه لم يوقع ركعة في الوقت لأن هذا مجرد نية فلا يؤثر. (وإلا) أي وإن أخر من غير نية الجمع أو بنيته في زمن لا يسعها، (فيعصي وتكون قضاء) لخلو الوقت عن الفعل أو العزم.
وقول الغزالي: لو نسي النية حتى خرج الوقت لم يعص. وكان جامعا لأنه معذور، ظاهر في قوله لم يعص، وليس بظاهر في قوله وكان جامعا لفقد النية. الشرط الرابع من شروط التقديم: دوام سفره إلى عقد الثانية كما يؤخذ من قوله: (ولو جمع تقديما) بأن صلى الأولى في وقتها ناويا الجمع، (فصار بين الصلاتين) أو في الأولى كما فهم بالأولى، وصرح به في المحرر، (مقيما) بنية الإقامة أو بانتهاء السفينة إلى المقصد، (بطل الجمع) لزوال سببه، فيتعين تأخير الثانية إلى وقتها، أما الأولى فلا تتأثر بذلك.
تنبيه: تعبيره بقوله جمع فيه تساهل، وعبر في المحرر بقوله: ولو كان يجمع، ولو شك في صيرورته مقيما فحكمه حكم تيقن الإقامة، فلو عبر بقوله فزال السبب لدخلت هذه الصورة. (وفي الثانية وبعدها) لو صار مقيما (لا يبطل في الأصح) لانعقادها أو تمامها قبل زوال العذر، والثاني: يبطل قياسا في الأولى على القصر. وفرق الأول بأن القصر ينافي الإقامة بخلاف الجمع، وفي الثانية على تعجيل الزكاة إذا خرج الآخذ قبل الحول عن الشرط المعتبر، وفرق الأول بأن الرخصة هنا قد تمت، فأشبه ما لو قصر ثم طرأت الإقامة لا يلزمه الاتمام، بخلاف الزكاة فإن آخذها قد تبين أنه غير مستحق لها. الأمر الثاني من أمري التأخير: دوام سفره إلى تمامهما كما يؤخذ من قوله: (أو) جمع (تأخيرا فأقام بعد فراغهما لم يؤثر) ذلك بالاتفاق لتمام الرخصة في وقت الثانية، (وقبله) أي فراغهما، (يجعل الأولى قضاء) لأنها تابعة للثانية في الأداء للعذر وقد زال قبل تمامها. وفي المجموع: إذا أقام في أثناء الثانية فينبغي أن تكون الأولى أداء بلا خلاف. قال شيخنا: وما بحثه مخالف لاطلاقهم، قال السبكي وتبعه الأسنوي: وتعليلهم منطبق على تقديم الأولى فلو عكس وأقام في أثناء الظهر فقد وجد العذر في جميع المتبوعة وأول التابعة، وقياس ما مر في جمع التقديم أنها أداء على الأصح أي كما أفهمه تعليلهم. وأجرى الطاوسي الكلام على إطلاقه، فقال: وإنما اكتفى في جمع التقديم بدوام السفر إلى عقد الثانية، ولم يكتف به في جمع التأخير بل شرط دوامه إلى تمامهما لأن وقت الظهر ليس وقت العصر إلا في السفر، وقد وجد عند عقد الثانية فيحصل الجمع. وأما وقت العصر فيجوز فيه الظهر بعذر السفر وغيره، فلا ينصرف فيه الظهر إلى السفر إلا إذا وجد السفر فيهما، وإلا جاز أن ينصرف إليه لوقوع بعضها فيه وأن ينصرف إلى غيره لوقوع بعضها في غيره الذي هو الأصل اه. وكلام الطاووسي هو المعتمد. ثم شرع في الجمع بالمطر فقال: (ويجوز الجمع) ولو لمقيم كما يجمع بالسفر ولو جمعة مع العصر خلافا للروياني في منعه ذلك، (بالمطر) ولو كان ضعيفا بحيث يبل الثوب ونحوه كثلج وبرد ذائبين وشفان كما سيأتي. (تقديما) لما في الصحيحين عن ابن عباس: صلى رسول الله (ص) بالمدينة الظهر والعصر جميعا، والمغرب والعشاء جميعا، زاد مسلم: من غير خوف ولا سفر، قال الشافعي كمالك: أرى ذلك بعذر المطر. قال في المجموع: وهذا التأويل مردود برواية مسلم: من غير خوف ولا مطر، قال: وأجاب البيهقي بأن الأولى رواية الجمهور فهي أولى. قال - يعني البيهقي -: وقد روينا عن ابن عباس وابن عمر الجمع بالمطر، وهو يؤيد التأويل. وأجاب غيره بأن المراد ولا مطر كثير أو لا مطر مستدام، فلعله انقطع في أثناء الثانية.
(والجديد منعه تأخيرا) لأن استدامة المطر ليست إلى الجامع، فقد ينقطع فيؤدي إلى إخراجها عن وقتها من غير عذر