إن شاء الله تعالى أنه لا قصاص فيه للاختلاف في محله. (إلا نوم ممكن مقعده) أي ألييه من مقره من أرض أو غيرها فلا ينقض وضوؤه ولو مستندا إلى ما لو زال لسقط، لا من خروج شئ حينئذ من دبره. ولا عبرة باحتمال خروج ريح من قبله لأنه نادر كما مر، ومثل ذلك ما لو نام متمكنا بالمنفتح الناقض كما يؤخذ من كلام التنبيه، ولقول أنس رضي الله تعالى عنه: كان أصحاب رسول الله (ص) ينامون ثم يصلون ولا يتوضأون، رواه مسلم، وفي رواية لأبي داود: ينامون حتى تخفق رؤوسهم الأرض، وحمل على نوم الممكن جمعا بين الحديثين. ودخل في ذلك ما لو نام محتبيا، وأنه لا فرق بين النحيف وغيره، وهو ما صرح به في الروضة وغيرها، وقال ابن الرفعة: إنه المذهب. ونقل الرافعي في الشرح الصغير عن الروياني أن النحيف ينتقض وضوؤه، وقال الأذرعي: إنه الحق. وجمع شيخي بينهما بأن عبارة الروضة محمولة على نحيف لم يكن بين مقره ومقعده تجاف - والشرح على خلافه - وهو جمع حسن، لكن عبارة الشرح الصغيرة: بين بعض مقعده ومقره تجاف فيكون الفرق التجافي الكامل. ولا تمكين لمن نام على قفاه ملصقا مقعده بمقره، وكذا لو تحفظ بخرقة ونام غير قاعد. ولو نام متمكنا فسقطت يده على الأرض لم ينتقض ما لم تزل أليته عن التمكن. ومن خصائصه (ص) أنه لا ينتقض وضوؤه بنومه مضطجعا، كما سيأتي إن شاء الله تعالى في كتاب النكاح. ويستحب الوضوء من النوم متمكنا خروجا من الخلاف، خرج بالنوم غيره مما ذكر معه فينتقض الوضوء به مطلقا.
فائدة: قال الغزالي: الجنون يزيل العقل، والاغماء يغمره، والنوم يستره، ولهذا قال بعضهم: لو عبر المصنف بالغلبة على العقل ليكون الاستثناء متصلا لكان أحسن. ويندفع ذلك بما حملت عليه عبارته تبعا للشارح. (الثالث: التقاء بشرتي الرجل والمرأة) لقوله تعالى: * (أو لامستم النساء) * أي لمستم كما قرئ به، فعطف اللمس على المجئ من الغائط، ورتب عليهما الامر بالتيمم عند فقد الماء، فدل على أنه حدث كالمجئ من الغائط، لا جامعتم، لأنه خلاف الظاهر، إذ اللمس لا يختص بالجماع، قال تعالى: * (فلمسوه بأيديهم) * وقال (ص): لعلك لمست؟. ولا فرق في ذلك بين أن يكون بشهوة أو إكراه أو نسيان أو يكون الذكر ممسوحا أو خصيا أو عنينا أو المرأة عجوزا شوهاء أو كافرة بتمجس أو غيره، أو حرة أو رقيقة، أو العضو زائدا أو أصليا سليما أو أشل أو أحدهما ميتا، لكن لا ينتقض وضوء الميت أولا. واللمس الجس باليد، والمعنى فيه أنه مظنة ثوران الشهوة، ومثله في ذلك باقي صور الالتقاء فألحق به، بخلاف النقض بمس الفرج كما سيأتي فإنه يختص ببطن الكف، لأن المس إنما يثير الشهوة ببطن الكف واللمس يثيرها به وبغيره، والبشرة ظاهر الجلد، وفي معناها اللحم كلحم الأسنان واللسان واللثة وباطن العين، وخرج ما إذا كان على البشرة حائل ولو رقيقا. نعم لو كثر الوسخ على البشرة من العرق فإن لمسه ينقض لأنه صار كالجزء من البدن بخلاف ما إذا كان من غبار، والسن والشعر والظفر كما سيأتي، وبالرجل والمرأة الرجلان والمرأتان والخنثيان والخنثى مع الرجل أو المرأة ولو بشهوة لانتفاء مظنتها ولاحتمال التوافق في صور الخنثى والعضو المبان كما سيأتي.
والمراد بالرجل الذكر إذا بلغ حدا يشتهي لا البالغ، وبالمرأة الأنثى إذا بلغت كذلك لا البالغة. ولو لمست المرأة ذكر أجنبيا أو الرجل امرأة أجنبية هل ينتقض وضوء الآدمي أو لا؟ ينبغي أن ينبني ذلك على صحة مناكحتهم، وفي ذلك خلاف يأتي في النكاح إن شاء الله تعالى. (إلا محرما) له بنسب أو رضاع أو مصاهرة، فلا ينقض لمسها ولو بشهوة، (في الأظهر) لأنها ليست مظنة للشهوة بالنسبة إليه كالرجل. وهي من حرم نكاحها على التأبيد بسبب مباح لحرمتها كما سيأتي في النكاح إن شاء الله تعالى، والثاني تنقض لعموم الآية. والقولان مبنيان على أنه هل يجوز أن يستنبط من النص معنى يخصصه أو لا؟ والأصح الجواز، وقيل:
لا ينقض المحرم من النسب وينقض من غيره. ولا يرد على ذلك زوجات النبي (ص) لأن تحريمهن لحرمته (ص) لا لحرمتهن، ولذلك قال بعض المتأخرين: ولا يورد ذلك على الضابط إلا قليل الفطنة. ولو شك في المحرمية لم ينتقض وضوؤه لأن الأصل الطهارة. وظاهر كلامهم أن الحكم كذلك وإن اختلطت محرمة بأجنبيات غير محصورات، وهو كذلك، فقول الزركشي أن اللمس في هذه الحالة ينقض، لأنه لو نكحها جاز بعيد، لأن الطهر لا يرفع بالشك ولا بالظن كما سيأتي، والنكاح لو منع منه لا نسد عليه باب النكاح، نعم إن تزوج بواحدة منهن انتقض وضوؤه بلمسها لأن الحكم لا يتبعض، ومثل