الدبغ (في الأصح) تغليبا لمعنى الإحالة، ولحديث مسلم: إذا دبغ الإهاب فقد طهر. والثاني: يجب، تغليبا لمعنى الإزالة، ولقوله (ص) في الحديث الآخر: يطهرها أي الإهاب الماء والقرظ وحمله الأول على الندب. والخلاف مبني على أن الدباغ إحالة فلا يشترط وهو الأصح، أو إزالة فيشترط. (و) يصير (المدبوغ) والمندبغ (كثوب نجس) أي متنجس لملاقاته للأدوية النجسة أو التي تنجست به قبل طهر عينه، فيجب غسله لذلك. وإذا أوجبنا الماء في أثناء الدباغ فلم يستعمله فإنه يكون نجس العين، وعلى هذا هل يطهر بمجرد نقعه في الماء أو لا بد من استعمال الأدوية ثانيا؟ وجهان، أصحهما في زيادة الروضة: الثاني، والمراد نقعه في ماء كثير. وإذا لم نوجبه فيصلي فيه بعد غسله ويجوز بيعه وإن لم يغسله ما لم يمنع من ذلك مانع. ولا يحل أكله سواء أكان من مأكول اللحم أم من غيره لخبر الصحيحين: إنما حرم من الميتة أكلها.
فإن قيل: يرد على حصر المصنف فيما ذكره المسك واللبن والمني، فإنها كانت دما نجس العين وصارت طاهرة. أجيب بأن أصلها لا يحكم عليه بالنجاسة ما دام في الجوف وما لم يتصل بخارج، ويطهر كل نجس استحال حيوانا، كدم بيضة استحال فرخا على القول بنجاسته ولو كان دود كلب، لأن للحياة أثرا بينا في دفع النجاسة ولهذا تطرأ بزوالها، ولان الدود متولد فيه لا منه، ولو صار الزبل المختلط بالتراب على هيئة التراب لطول الزمان لم يطهر.
ثم اعلم أن النجاسة: إما مغلظة، أو مخففة، أو متوسطة، وقد ذكرها المصنف على هذا الترتيب فبدأ بأولها فقال: (وما نجس) من جامد ولو بعضا من صيد أو غيره، (بملاقاة شئ من كلب) سواء في ذلك لعابه وبوله وسائر رطوباته وأجزائه الجافة إذا لاقت رطبا. (غسل سبعا إحداهن) في غير أرض ترابية (بتراب) طهور يعم محل النجاسة، بأن يكون قدرا يكدر الماء ويصل بواسطته إلى جميع أجزاء المحل. ولا بد من مزجه بالماء إما قبل وضعهما على المحل أو بعده بأن يوضعا ولو مرتين ثم يمزجا قبل الغسل وإن كان المحل رطبا، إذ الطهور الوارد على المحل باق على طهوريته خلافا للأسنوي في اشتراط المزج قبل الوضع على المحل. والأصل في ذلك قوله (ص): وإذا ولغ الكلب في الاناء فاغسلوه سبع مرات أولاهن بالتراب رواه مسلم، وفي رواية له: وعفروه الثامنة بالتراب أي بأن يصاحب السابعة كما في رواية أبي داود: السابعة بالتراب. وفي رواية صححها الترمذي: أولاهن أو أخراهن بالتراب. وبين روايتي مسلم تعارض في محل التراب فيتساقطان في تعيين محله، ويكتفي بوجوده في واحد من السبع كما في رواية الدارقطني: إحداهن بالبطحاء فنص على اللعاب وألحق به ما سواه لأن لعابه أشرف فضلاته، وإذا ثبتت نجاسته فغيره من بول وروث وعرق ونحو ذلك أولى. وفي وجه أن غير لعابه كسائر النجاسات اقتصارا على محل النص لخروجه عن القياس. وإذا لم تزل النجاسة إلا بست غسلات مثلا حسبت واحدة كما صححه المصنف خلافا لما صححه الرافعي من أنها ست وإن قواه الأسنوي. ولو أكل لحم نحو كلب لم يجب تسبيع محل الاستنجاء كما نقله الروياني عن النص.
فرع: حمام غسل داخله كلب ولم يعهد تطهيره واستمر الناس على دخوله والاغتسال فيه مدة طويلة وانتشرت النجاسة إلى حصر الحمام وفوطه ونحو ذلك، فما تيقن إصابة شئ له من ذلك فنجس وإلا فطاهر، لأنا لا ننجس بالشك. ويطهر الحمام بمرور الماء عليه سبع مرات، إحداهن بطفل مما يغتسل به فيه، لأن الطفل يحصل به التتريب كما صرح به جماعة.
ولو مضت مدة يحتمل أنه مر عليه ذلك ولو بواسطة الطير الذي في نعال داخليه لم يحكم بنجاسته كما في الهرة إذا أكلت نجاسة ثم غابت غيبة يحتمل فيها طهارة فمها. (وإلا ظهر تعين التراب) ولو غبار رمل وإن أفسد الثوب، جمعا بين نوعي الطهور فلا يكفي غيره كأشنان وصابون. والثاني: لا يتعين ويقوم ما ذكر ونحوه مقامه، وجرى عليه صاحب التنبيه.
والثالث: يقوم مقامه عند فقده للضرورة ولا يقوم عند وجوده، وقيل: يقوم مقامه فيما يفسده التراب كالثياب دون ما لا يفسده.
(و) الأظهر (أن الخنزير ككلب) وكذا ما تولد منهما أو من أحدهما مع حيوان طاهر، لأن الخنزير أسوأ حالا من الكلب كما مر، وللمتولد حكم أصله لأنه يتبع أخسهما في النجاسة كما سلف. والثاني: يكفي لذلك الغسل مرة من غير