مصدر قرن بفتحها. (بأول) غسل (الوجه) لتقترن بأول الفرض كالصلاة وغيرها من العبادات ما عدا الصوم لما مر، فلا يكفي اقترانها بما بعد الوجه قطعا لخلو أول المغسول وجوبا عنها. وأما اقترانها بما قبله من السنن ما عدا الاستنجاء ففيه خلاف ذكره بقوله: (وقيل يكفي) قرنها (بسنة قبله) لأنها من جملة الوضوء. والأصح المنع، إذ المقصود من العبادة أركانها والسنن توابع، أما الاستنجاء فلا يكفي اقترانها به جزما. ومحل الخلاف إذا عزبت قبل غسل الوجه فإن بقيت إلى غسله كفى بل هو أفضل ليثاب على السنن السابقة لأنها إذا خلت عن النية لم يحصل له ثوابها. فإن قيل: من نوى صوم التنفل في أثناء اليوم فإن النية تنعطف على الماضي ويحصل له ثواب جميع اليوم، فلم لا كان هذا كذلك؟ أجيب بأنه لا ارتباط لصحة الوضوء بالسنن المذكورة، فإنه يصح بدونها بخلاف بقية النهار، وأيضا الصوم خصلة واحدة فإذا صح بعضها صح كلها، والوضوء أفعال متفاصلة فالانعطاف فيها أبعد. ولو اقترنت النية بالمضمضة أو الاستنشاق وانغسل معه جزء من الوجه أجزأ وإن عزبت النية بعده، سواء أغسله بنية الوجه وهو ظاهر أم لا لوجوب غسل جزء من الوجه مقرونا بالنية، لكن يجب إعادة غسل الجزء مع الوجه على الأصح في الروضة لوجود الصارف. ولا تجزئ المضمضة ولا الاستنشاق في الشق الأول لعدم تقدمها على غسل الوجه، قاله القاضي مجلي، فالنية لم تقترن بمضمضة ولا استنشاق حقيقة. ولو وجدت النية في أثناء غسل الوجه دون أوله كفت ووجب إعادة المغسول منه قبلها، فوجب قرنها بالأول ليعتد به. ويفهم منه أنه لا يجب استصحاب النية إلى آخر الوضوء، لكن محله في الاستصحاب الذكري، وأما الحكمي، وهو أنه لا ينوي قطعها ولا يأتي بمنافيها كالردة، فواجب كما علم مما مر. (وله تفريقها) أي النية (على أعضائه) أي الوضوء، بأن ينوي عند كل عضو رفع الحدث عنه كما ذكره الرافعي، لأنه يجوز تفريق أفعاله كما سيأتي، فكذلك تفريق النية على أفعاله. وجعل في مشكل الوسيط من صور التفريق أن ينوي رفع الحدث مطلقا عند كل عضو، وتوقف في ذلك ابن الصلاح لأن النية الثانية تتضمن قطع الأولى أي كما في نية الصلاة. قال ابن شهبة: وقد يقال هي مؤكدة ونية الوضوء ليست كنية الصلاة حتى تقطع الثانية الأولى اه. وهذا حسن، لكنه ليس من التفريق لأن النية الأولى حصل بها المقصود لجميع الأعضاء.
وهل يقطع النية نوم ممكن؟ وجهان أوجههما لا. والحدث الأصغر لا يحل كل البدن بل أعضاء الوضوء خاصة كما صححه في التحقيق والمجموع، وإنما لم يجز مس المصحف بغيرها لأن شرط الماس أن يكون متطهرا ويرتفع حدث كل عضو بمجرد غسله كما مرت الإشارة إليه. (الثاني) من الفروض: (غسل) ظاهر (وجهه) لقوله تعالى: * (فاغسلوا وجوهكم) * وللاجماع. والمراد بالغسل الانغسال سواء أكان بفعل المتوضئ أم بغيره، وكذا الحكم في سائر الأعضاء. (وهو) طولا (ما بين منابت) شعر (رأسه غالبا، و) تحت (منتهى لحييه) وهما بفتح اللام على المشهور: العظمان اللذان تنبت عليهما الأسنان السفلى. (و) عرضا (ما بين أذنيه) لأن الوجه ما تقع به المواجهة وهي تقع بذلك، وخرج بظاهر داخل الفم والأنف والعين فإنه لا يجب غسل ذلك قطعا، بل ولا يستحب غسل داخل العين، بل صرح بعضهم بالكراهة للضرر. ولكن يجب غسل ذلك إن تنجس، والفرق غلظ النجاسة بدليل أنها تزال عن الشهيد إذا كانت من غير دم الشهادة. أما ماق العين فيغسل بلا خلاف، فإن كان عليه ما يمنع وصول الماء إلى المحل الواجب كالرماص وجب إزالته وغسل ما تحته، وبغالبا الأصلع، وهو من انحسر الشعر عن ناصيته، فإنه لا يلزمه غسلها، وقد نبه في المحرر عليه وأسقطه المصنف، ودخل موضع الغمم كما قال.
(فمنه) أي من الوجه، (موضع الغمم) لحصول المواجهة به، وهو ما ينبت عليه الشعر من الجبهة، والغمم أن يسيل الشعر حتى يضيق الجبهة والقفا، يقال رجل أغم وامرأة غماء، والعرب تذم به وتمدح بالنزع، لأن الغمم يدل على البلادة والجبن والبخل والنزع بضد ذلك. كما قيل: فلا تنكحي إن فرق الله بيننا أغم القفا والوجه ليس بأنزعا بل قوله غالبا لا حاجة إليه كما قاله الإمام، لأن الجبهة ليست منبتا وإن نبت الشعر عليها لعارض، والناصية منبت وإن انحسر