أطيعوا الله. (وهذه الثلاثة) الأركان المذكورة (أركان في) كل من (الخطبتين) لاتباع السلف والخلف، ولان كل خطبة منفصلة عن الأخرى. (والرابع قراءة آية) للاتباع رواه الشيخان، سواء أكانت وعدا لهم أو وعيدا أم حكما أم قصة. قال الامام: ولا يبعد الاكتفاء بشطر آية طويلة، وينبغي كما قال شيخي اعتماده، وإن قال في المجموع: المشهور الجزم باشتراط آية. ويعضد الأول قول البويطي ويقرأ شيئا من القرآن، ولا شك أنه لا يكفي ثم نظر أو ثم عبس أو نحو ذلك وإن كانت آية لأنها غير مفهمة. وقال في المجموع إنه لا خلاف فيه. ويكفي كونها (في إحداهما) لأن الغالب القراءة في الخطبة دون تعيين، ونقل الماوردي عن نصه في المبسوط أنه يجزئ أن يقرأ بين قراءتهما، قال: وكذلك قبل الخطبة أو بعد فراغه منهما، ونقل ابن كج ذلك عن النص صريحا، وذكر الدارمي نحو ذلك، قال الأذرعي: وهو المذهب، قال في المجموع: ويسن جعلها في الأولى. (وقيل) تتعين (في الأولى) فلا تجزئ في الثانية، وهو المنصوص في البويطي والمختصر لتكون في مقابلة الدعاء المختص بالثانية، ولان الأولى أحق بالتطويل. (وقيل) تتعين (فيهما) أي في كل منهما. (وقيل لا تجب) في واحدة منهما بل تستحب، وسكتوا عن محله، ويقاس بمحل الوجوب. وعلى الأول يستحب قراءة ق في الأولى للاتباع رواه مسلم، ولاشتمالها على أنواع المواعظ. ولا يشترط رضا الحاضرين وإن توقف في ذلك الأذرعي، كما لا يشترط في قراءة الجمعة والمنافقين في الصلاة وإن كانت السنة التخفيف، قال البندنيجي: فإن أبى قرأ: * (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا) * الآية. ولو قرأ آية سجدة نزل وسجد إن لم يكن فيه كلفة، فإن خشي من ذلك طول فصل سجد مكانه إن أمكن وإلا تركه. ولا تجزئ آية تشتمل على الأركان كلها لأن ذلك لا يسمى خطبة، واستشكل هذا بأنه ليس لنا آية تشتمل على الصلاة منا على النبي (ص)، وإن أتى ببعضها ضمن آية كقوله: * (الحمد لله فاطر السماوات والأرض) * لم يمتنع، وأجزأه ذلك عن البعض دون القراءة لئلا يتداخلا، وإن قصدهما بآية لم يجزه ذلك عنهما بل عن القراءة فقط كما صرح به في المجموع.
وكره جماعة تضمين شئ من آي القرآن بغيره من الخطب والرسائل وغيرهما، وخصه جماعة في الخطب والرسائل، وهذا هو الظاهر، وقد أكثر من ذلك ابن الجوزي وابن نباتة وغيرهما. (والخامس: ما يقع عليه اسم دعاء للمؤمنين) بأخروي لنقل الخلف له عن السلف، ويكون (في) الخطبة (الثانية) لأن الدعاء يليق بالخواتم. فإن قيل: تعبيره بالمؤمنين لا يشمل المؤمنات. أجيب بأن المراد بهم الجنس الشامل لهن وبهما عبر في الوسيط، وفي التنزيل: * (وكانت من القانتين) *، ولو خص به الحاضرين كقوله رحمكم الله كفى، بخلاف ما لو خص به الغائبين كما يؤخذ من كلامهم ولم أره مسطورا. (وقيل لا يجب) لأنه لا يجب في غير الخطبة فكذا فيها كالتسبيح بل يستحب، ونص على هذا في الاملاء، وجزم به ابن حامد. وقطع بعضهم بالأولى وبعضهم بالثاني فكان ينبغي التعبير بالمذهب، والمختار في المجموع وزيادة الروضة أنه لا بأس بالدعاء للسلطان بعينه إن لم يكن في وصفه مجازفة، قال ابن عبد السلام: لا يجوز وصفه بالصفات الكاذبة إلا لضرورة. ويستحب الدعاء لائمة المسلمين وولاة أمورهم بالصلاح والإعانة على الحق والقيام بالعدل ونحو ذلك. ثم لما فرغ من ذكر أركان الخطبتين شرع في ذكر شروطهما وهي تسعة مبتدئا بواحد منها فقال: (ويشترط كونها) أي الخطبة أي أركانها، والمراد بها الجنس الشامل للخطبتين، (عربية) لاتباع السلف والخلف، ولأنها ذكر مفروض فيشترط فيه ذلك كتكبيرة الاحرام، فإن أمكن تعلمها وجب على الجميع على سبيل فرض الكفاية فيكفي في تعلمها واحد منهم كما هو شأن فروض الكفاية، فإن لم يفعل واحد منهم عصوا ولا جمعة لهم بل يصلون الظهر. فإن قيل: ما فائدة الخطبة بالعربية إذا لم يعرفها القوم؟ أجيب بأن فائدتها العلم بالوعظ من حيث الجملة، فقد صرحوا فيما إذا سمعوا الخطبة ولم يفهموا معناها أنها تصح، فإن لم يمكن تعلمها خطب بلغته وإن لم يفهمها القوم، فإن لم يحسن لغة فلا جمعة لهم لانتفاء شرطها. (مرتبة الأركان الثلاثة الأولى)