قال بعضهم: ولأنها لو كانت متصلة بها حكما لتنجس الماء في الكوز إذا انصب على الأرض وورد عليه نجس، فلو وقع فيها نجس فكما لو وقع في راكد حتى لو كانت قليلة تنجست بوصوله إليها، وإن بلغت مع ما أمامها وما خلفها قلتين لتفاصل أجزاء الجاري فلا يتقوى بعضه ببعض بخلاف الراكد والجرية إذا بلغ كل منهما قلتين، ولو وقع فيها وهي قليلة نجس جامد، فإن كان موافقا لجريانها تنجست دون ما أمامها وما خلفها، أو واقفا أو جريها أسرع فمحله وما أمامه مما مر عليه نجس وإن طال امتداده إلا أن يتراد أو يجتمع في نحو حفرة، وعليه يقال لنا ماء هو ألف قلة ينجس بلا تغير، والجرية التي تعقب جرية النجس الجاري تغسل المحل فلها حكم الغسالة حتى لو كان من كلب فلا بد من سبع جريات مع كدورة الماء بالتراب الطهور في إحداهن. ويعرف كون الجرية قلتين بأن تمسحا ويجعل الحاصل ميزانا، ثم يؤخذ قدر عمق الجرية ويضرب في قدر طولها، ثم الحاصل في قدر عرضها بعد بسط الاقدار من مخرج الربع لوجوده في مقدار القلتين في المربع، فمسح القلتين بأن تضرب ذراعا وربعا طولا في مثلهما عرضا في مثلهما عمقا يحصل مائة وخمسة وعشرون وهي الميزان.
أما إذا كان أمام الجاري ارتفاع يرده فله حكم الراكد. (وفي القديم لا ينجس) القليل منه، (بلا تغير) لقوة الجاري، ولان الأولين كانوا يستنجون على شطوط الأنهار الصغيرة ثم يتوضأون منها ولا ينفك عن رشاش النجاسة غالبا. وعلله الرافعي بأن الجاري وارد على النجاسة فلا ينجس إلا بالتغير كالماء الذي تزال به النجاسة، وقضية هذا التعليل أن يكون طاهرا غير طهور، والظاهر أنه ليس مرادا. (والقلتان) بالوزن (خمسمائة رطل) بكسر الراء أفصح من فتحها، (بغدادي) أخذا من رواية البيهقي وغيره: إذا بلغ الماء قلتين بقلال هجر لم ينجسه شئ. والقلة في اللغة الجرة العظيمة سميت بذلك لأن الرجل العظيم يقلها بيديه، أي يرفعها. وهجر بفتح الهاء والجيم قرية بقرب المدينة النبوية تجلب منها القلال، وقيل هي بالبحرين، قاله الأزهري، قال في الخادم: وهو الأشبه. ثم روي عن الشافعي رضي الله تعالى عنه عن ابن جريج أنه قال: رأيت قلال هجر فإذا القلة منها تسع قربتين أو قربتين وشيئا، أي من قرب الحجاز. فاحتاط الشافعي فحسب الشئ نصفا، إذ لو كان فوقه لقال تسع ثلاث قرب إلا شيئا على عادة العرب فتكون القلتان خمس قرب. والغالب أن القربة لا تزيد على مائة رطل بغدادي، وهو مائة وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم في الأصح، فالمجموع به خمسمائة رطل. (تقريبا في الأصح) قدم تقريبا عكس المحرر ليشمله وما قبله التصحيح فيعفى عن نقص رطل ورطلين على ما صححه في الروضة.
وصحح في التحقيق ما جزم به الرافعي أنه لا يضر نقص قدر لا يظهر بنقصه تفاوت في التغير بقدر معين من الأشياء المغيرة، كأن تأخذ إناءين في واحد قلتان وفي الآخر دونهما ثم تضع في أحدهما فدرا من المغير وتضع في الآخر قدره، فإن لم يظهر بينهما تفاوت في التغير لم يضر ذلك وإلا ضر، وهذا أولى من الأول لضبطه، والمقابل في قدرهما ما قيل إنهما ألف رطل لأن القربة قد تسع مائتي رطل، وقيل هما ستمائة رطل، لأن القلة ما يقله البعير ويحمله، وبعير العرب لا يحمل غالبا أكثر من وسق وهو ثلاثمائة وعشرون، يحط عشرون للظرف والحبل. والعدد على الثلاثة قيل تحديد فيضر نقص أي شئ نقص، فإن قيل على ما صححه في الروضة ترجع القلتان أيضا إلى التحديد فإنه يضر نقص ما زاد على الرطلين. أجيب بأن هذا تحديد غير المختلف فيه، وبالمساحة في المربع كما تقدم ذراع وربع طولا وعرضا وعمقا، وفي المدور ذراعان طولا وذراع عرضا، قاله العجلي والمراد فيه بالطول العمق وبالعرض ما بين حائطي البئر من سائر الجوانب، وبالذراع في المربع ذراع الآدمي وهو شبران تقريبا، وأما في المدور، فالمراد في الطول ذراع النجار الذي هو ذراع الآدمي ذراع وربع تقريبا، ووجهه أنه يبسط كل من العرض والطول ومحيط العرض وهو ثلاثة أمثاله وسبع أرباعا لوجود مخرجها في قدر القلتين في المربع فيجعل كل واحد أرباعا، فيصير العرض أربعة والطول عشرة والمحيط اثني عشر وأربعة أسباع، ثم يضرب نصف العرض وهو اثنان في نصف المحيط وهو ستة وسبعان تبلغ اثني عشر وأربعة أسباع، هو بسط المسطح، فيضرب بسط المسطح في بسط الطول، وهو عشرة، تبلغ مقدار مسح القلتين في المربع وهو مائة وخمسة وعشرون ربعا مع زيادة خمسة أسباع ربع، وبها حصل التقريب.