المطبوخ به لم يكره. ويؤخذ من ذلك أن الماء المشمس إذا سخن بالنار لم تزل الكراهة، وهو كذلك. وظاهر كلام الجمهور أنه يكره في الأبرص لزيادة الضرر، وكذا في الميت لأنه محترم. قال البلقيني: وغير الآدمي من الحيوان إن كان البرص يدركه كالخيل أو يتعلق بالآدمي منه ضرر اتجهت الكراهة وإلا فلا. قال الأسنوي: وفي سقي الحيوان منه نظر اه.
وينبغي فيه التفصيل الذي قاله البلقيني. قال الزركشي: وغير الماء من المائعات كالماء. قال ابن عبد السيد. وإنما لم يحرم المشمس كالسم لأن ضرره مظنون بخلاف السم. وقيل: لا يكره استعماله، واختاره المصنف في بعض كتبه، وبه قال الأئمة الثلاثة. وقال في شرح المهذب: إنه الصواب، لأن أثر عمر لم يثبت. وقيل: إن شهد عدلان بأنه يورث البرص كره وإلا فلا، واختاره السبكي. والمذهب هو الأول، فقد روى الأثر الدارقطني بإسناد صحيح، وأيضا فقد صح أنه (ص) قال: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك. والأثر وإن لم يثبت فقد حصل به ريب، ويجب استعماله عند فقد غيره، أي عند ضيق الوقت. ولا يتيمم بل يجب شراؤه حيث يجب شراء الماء للطهارة، ويكره تنزيها شديد السخونة أو البرودة في الطهارة لمنعه الاسباغ ويجب استعماله إذا فقد غيره وضاق الوقت كما مر، ويحرم إن خاف منه ضررا، ويكره مياه ثمود وكل ماء مغضوب عليه كماء ديار قوم لوط وهي بركة عظيمة في موضع ديارهم التي خسفت. وماء البئر التي وضع فيها السحر لرسول الله (ص)، فإن الله تعالى مسخ مياهها حتى صار كنقاعة الحناء ومسخ طلع النخيل التي من حولها حتى صار كرؤوس الشياطين. وماء ديار بابل، لا ماء بئر الناقة ولا ماء بحر ولا ماء متغير بما لا بد منه، ولا ماء زمزم لعدم ثبوت نهي فيه، نعم يكره إزالة النجاسة به كما قال الماوردي، قال البلقيني: ماء زمزم أفضل من الكوثر، أي فيكون أفضل المياه، لأن به غسل صدره (ص) ولا يكون يغسل صدره إلا بأفضل المياه، لكن تقدم أن أفضل المياه ما نبع من بين أصابعه (ص).
والمراد بالمشمس المتشمس وإن لم يقصد تشميسه كما حولت العبارة إليه وإن لم يفهم من العبارة. (و) الماء القليل (المستعمل في فرض الطهارة) عن حدث كالغسلة الأولى فيه، (قيل ونفلها) كالغسلة الثانية والثالثة، والغسل المسنون والوضوء المجدد طاهر (غير طهور في الجديد) لأن السلف الصالح كانوا لا يحترزون عن ذلك ولا عما يتقاطر عليهم منه، وفي الصحيحين:
أنه (ص) عاد جابرا في مرض فتوضأ وصب عليه من وضوئه. وكانوا مع قلة مياههم لم يجمعوا المستعمل للاستعمال ثانيا، بل انتقلوا إلى التيمم، ولم يجمعوه للشرب لأنه مستقذر. والقديم أنه طهور لوصف الماء في الآية السابقة بلفظ طهور المقتضي تكرر الطهارة به، كضروب لمن يتكرر منه الضرب. وأجيب بأن فعول يأتي اسما للآلة كسحور لما يتسحر به، فيجوز أن يكون طهورا كذلك، ولو سلم اقتضاؤه التكرار، فالمراد جمعا بين الأدلة ثبوت ذلك لجنس الماء أو في المحل الذي يمر عليه فإنه يطهر كل جز منه. والمراد بالفرض ما لا بد منه أثم الشخص بتركه، كحنفي توضأ بلا نية أم لا كصبي إذ لا بد لصحة صلاتهما من وضوء، ولا أثر لاعتقاد الشافعي أن ماء الحنفي فيما ذكر لم يرفع حدثا بخلاف اقتدائه بحنفي مس فرجه حيث لا يصح اعتبارا باعتقاده، لأن الرابط معتبر في الاقتداء دون الطهارات، ولان الحكم بالاستعمال قد يوجد من غير نية معتبرة كما في إزالة النجاسة بخلاف الاقتداء لا بد فيه من نية معتبرة، ونية الإمام فيما ذكر غير معتبرة في ظن المأموم.
واختلف في علة منع استعمال الماء المستعمل، فقيل وهو الأصح: إنه غير مطلق، كما صححه المصنف في تحقيقه وغيره. وقيل:
مطلق، ولكن منع من استعماله تعبدا كما جزم به الرافعي. وقال المصنف في شرح التنبيه: إنه الصحيح عند الأكثرين، وسيأتي المستعمل في النجاسة في بابها. والأصح أن المستعمل في نقل الطهارة على الجديد طهور لانتفاء العلة، وخرج بنفل الطهارة تجديد الغسل، فالمستعمل فيه طهور قطعا لأنه لا يسن تجديده، ومن المستعمل ماء غسل بدل مسح من رأس أو خف وماء غسل كافرة لتحل لحليلها المسلم، وماء غسل ميتة، وماء غسل مجنونة لتحل لحليلها المسلم. فإن قيل: يدخل في فرض الطهارة الغسلة الأولى من الوضوء المجدد ومن الغسل المسنون، لأنهما طهارتان في كل منهما فرض وسنة فيصدق على المرة الأولى منها أنها فرض الطهارة، وليست محل جزم على الجديد، بل هي من محل الوجهين فيما أدى به عبادة غير مفروضة. أجيب بأن مراده ما قدرته تبعا للشارح، ولو صرح به المصنف كان أولى، وأورد على ضابط المستعمل ماء غسل