وإن كان ذلك مما يقطع التصرف قطعا تاما، مثل أن يبيعه أو يهبه ويقبضه، فإن كان وهبه لم يخل: إما أن وهبه لمن يجوز له الرجوع في هبته، أو لمن لا يجوز له الرجوع في هبته.
فإن وهبه لمن يجوز له الرجوع في هبته، فهل للواهب أن يرجع في الهبة التي حصلت في يد ولد ولده أم لا؟ قيل فيه وجهان: أحدهما له، والثاني ليس له، لأنه ما ملكه منه، وإنما ملكه من غيره.
والذي يقتضيه مذهبنا أنه متى تصرف فيه الموهوب له بطل حكم الرجوع لعموم الأخبار.
وأما إذا وهبه لمن ليس له الرجوع في هبته أو باعه، سقط بذلك حق الرجوع فيها، فإن عاد بعد ذلك إلى ملكه فهل له أن يرجع فيه؟ قيل فيه وجهان: أحدهما يرجع فيه، والثاني ليس له.
فإذا فليس الموهوب له وحجر عليه، والعين الموهوبة قائمة بحالها، قيل فيه وجهان: أحدهما أن الواهب أولى بها من الغرماء لأن حقه أسبق، والثاني الغرماء أولى، كما أن المرتهن أولى بعين الرهن من الراهن، والأول أصح إذا كان ذلك في من له الرجوع في هبته.
إذا وهب لأجنبي أو لقريب غير الولد فإن الهبة تلزم بالقبض، وله الرجوع فيها، وفي من وافقنا فيه من قال: إذا لم يكن لذي رحم محرم أو زوج أو زوجة، وعندنا أن الرجوع في هبة الزوج أو الزوجة مكروه، فأما إذا كانت الهبة لولده الصغار فليس له الرجوع فيها بحال.
الهبات على ثلاثة أضرب: هبة لمن هو فوق الواهب، وهبة لمن هو دونه، وهبة لمن هو مثله.
فأما الهبة لمن هو دونه، فمثل هبة السلطان للرعية، والأستاذ للغلام، والغني للفقير، فإنها لا تقتضي الثواب، لأنه يقصد بها نفع الموهوب له.
وأما الهبة لمن هو مثله فمثل أن يهب السلطان لمثله، والغني للغني، والتاجر