العقلية، ولما كان كذلك بين الله في كتابه بقوله: وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة، فإن المدين متى كان معسرا لم يجز لصاحب الدين مطالبته والإلحاح عليه بل ينبغي أن يرفق به وينظره إلى أن يوسع الله عليه.
وأشار سبحانه من فحوى الآية إلى وجوب قضاء الدين أيضا إذا طالبه صاحبه إن كان حالا أو نزل محله، لأن معناها وإن وقع غريم من غرمائكم ذو عسرة وإعسار فالحكم والأمر نظرة وهي من الإنظار إلى ميسرة أي إلى يسار، ويجوز أن يكون " كان " ناقصة والتقدير وإن كان ذو عسرة غريما لكم أو من غرمائكم إن كان معسرا فعليكم نظرة.
وهل الإنظار واجب في كل دين أو في دين الربا فقط؟ قيل فيه ثلاثة أقوال: أحدها قاله شريح وإبراهيم: إنه في دين الربا خاصة والثاني قال ابن عباس: في كل دين، وهو قول أبي جعفر ع، الثالث: أن المراد بالآية يجب في دين الربا لأن الكلام متصل بذلك، والثاني هو الصحيح لعموم الكلام في كل دين لأن لكل كلام حكم نفسه وإن نزل في حكم خاص وسبب مخصوص.
واستدل على أنه يجب في كل دين بأنه لا يخلو إما أن يجب في ذمته أو في رقبته أو في عين ماله، فلو كان في رقبته لكان إذا مات بطل وجوبه ولو كان في عين ماله كان إذا هلك ماله بطل وجوبه فصح أنه في ذمته ولا سبيل له عليه في ذلك من جنس ونحوه.
والغريم لا يخلو إما أن يكون له شئ أو لا يكون، فإن لم يكن له شئ أصلا يجب لصاحب الدين أن لا يلزمه ذلك ولا يحبسه، وإن كانت له دار وكانت واسعة كبيرة يستحب لصاحب الدين أن يصبر عليه، وإن كان له مال وتمطل جاز للحاكم حبسه، فإن دافع به أيضا كان له أن يبيع متاعه ويقضي عنه ما وجب عليه.
وقوله: إلى ميسرة، معناه إلى أن يوسع الله عليه. وقال أبو جعفر ع إلى أن يبلغ خبره الإمام فيقضي عنه من سهم الغارمين إذا كان أنفقه في معروف، وإن كان لا يعلم في ما ذا أنفقه أو علم أنه أنفقه في معصية لم يجب عليه القضاء عنه بل إذا وسع الله عليه قضى عن نفسه، و يجوز أن يعطي من سهم الفقراء والمساكين شئ ويقضي هو دينه.