إنما ذكر الدين ليرجع الضمير إليه في قوله تعالى: فاكتبوه، إذ لو لم يذكر لوجب أن يقال:
فاكتبوا الدين، فلم يكن النظم بذلك الحسن ولأنه أبين لتنويع الدين إلى مؤجل وحال، وإنما قال: مسمى، ليعلم أن من حق الأجل أن يكون معلوما كالتوقيت بالسنة والأشهر والأيام، ولو قال: إلى الحصاد أو الدياس أو رجوع الحاج لم يجز لعدم التسمية، وإنما أمر بكتب الدين لأنه أوثق وآمن من النسيان وأبعد من الجحود والأمر هنا للندب.
وعن ابن عباس المراد به السلم، وقال: لما حرم الله الربا أباح السلف، وقال: أشهد أن الله أباح السلم المضمون إلى أجل معلوم في كتابه وأنزل فيه أطول آية، وقيل: إنما قال:
بدين، على وجه التأكيد ولا أن يختص " تداينتم " بالدين خاصة دون الدين الذي هو الجزاء، و " أجل مسمى " معلوم.
وقوله تعالى: فاكتبوه، ظاهره الأمر بالكتابة واختلفوا في مقتضاه، فقال أبو سعيد الخدري والشعبي والحسن هو مندوب إليه، وقال الربيع وكعب هو فرض والأول أصح لإجماع أهل عصرنا عليه، ولقوله تعالى: فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي أؤتمن أمانته، ومفهومه فإن أمنه في ما له أن يأمنه، وقال الأكثرون: حكم الآية في كل دين من سلم أو غيره أو تأخير ثمن في بيع وهو الأقوى لأنه العموم، فأما القرض فلا مدخل له فيه لأنه لا يكون مؤجلا والقرض فيه ثواب جزيل وهو أفضل من الصدقة.
فصل:
ثم قال تعالى: وليكتب بينكم كاتب بالعدل أي كاتب مأمون على ما يكتبه يكتب بالسوية والاحتياط لا يزيد على ما يجب أن يكتب ولا ينقص، فقوله: بالعدل، متعلق بكاتب صفة له. وقيد أن يكون الكاتب فقيها عالما بالشروط حتى يجئ مكتوبه معدلا بالشرع، وهو أمر للمبتدئين بتخير الكاتب وأن لا يستكتبوا إلا فقيها دينا، ولا يمتنع أحد من الكتاب أن يكتب كتابة الوثائق ولا يغير ولا يبدل، وذكرنا كراهية الدين إلا عند الضرورة.
ومن لا يملك شيئا يقضي به دينه فليقبل الصدقة ولا يتعرض للدين لأن الصدقة حق جعلها الله له في الأموال.