يخالطه من أبخرة رديئة تمتزج به وتحدث للجملة كيفية رديئة وربما كان ذلك لسبب رياح ساقت إلى الموضع الجيد أدخنة رديئة من مواضع نائية فيها بطائح أجنة أو أجسام متجيفة في ملاحم أو وباء قتالة لم تدفن ولم تحرق وربما كان السبب قريبا من الموضع جاريا فيه وربما عرضت عفونات في باطن الأرض لأسباب لا يشعر بجزئياتها فأعدت الماء والهواء والحميات الحادثة بسبب الهواء اليابس أقل من أمثالها الحادثة من الهواء الرطب الا ان الصفراء تكون في الهواء اليابس فيكون ذلك سببا أيضا لحدوث حميات صفراوية وأما الوبائية فتكون من الهواء الكدر الرطب والحميات في الهواء الرطب أكثر لكنها أقل حدة وأطول مدة وأما في الصيف اليابس القليل المطر فتكون أقل حدوثا وأكثر حدة وأسرع فضلا وأفضل الفصول ما حفظ طبعه ومبدأ جميع هذه التغيرات هيئات من هيئات الفلك توجبه ايجابا لا نشعر نحن بوجهه وان كان لقوم أن يدعوا فيه شيئا غير منسوب إلى بينة بل يجب أن تعلم أن السبب الأول البعيد لذلك اشكال سمائية والقريب أحوال أرضية وإذا أوجبت القوى الفعالة السمائية والقوى المنفعلة ترطيبا شديدا للهواء يرفع أبخرة وأدخنة إليه ويبثها فيه ويعقبها بحرارة ضعيفة وصار الهواء بهذه المنزلة حمل على القلب فأفسد مزاج الروح الذي فيه وعفن ما يحويه من رطوبة وحدثت حرارة خارجة عن الطبع وانتشرت من سبيلها في البدن فكانت حمى وبائية وعمت خلقا من الناس لهم أيضا في أنفسهم خاصية استعداد إذ كان الفاعل وحده إذا حصل ولم يكن المنفعل مستعدا لم يحدث فعل وانفعال واستعداد الأبدان لما نحن فيه من الانفعال ان تكون ممتلئة أخلاطا رديئة فان النقية لا تكاد تنفعل من ذلك والأبدان الضعيفة أيضا منفعلة منه مثل التي أكثرت الجماع والأبدان الواسعة السبل الرطبة الكثيرة الاستحمام * (العلامات) * هذه الحمى تكون هادية الظاهر مكربة الباطن في الأكثر مهلكة يستشعر منها حرافة واشتعال قوى ويكون معه عظم التنفس وعلوه وتواتره ويضيق كثيرا وينتن كثيرا وشدة عطش وجفوف لسان وقد تكون مع غثيان أو سقوط شهوة ان لم يقاومها بالاكل صبرا أهلكته ووجع فؤاد وعظم طحال وكرب شديد وتململ وربما كان سعال يابس وسقوط قوة وانافة على الغشي واختلاط عقل وتمدد ما دون الشراسيف ويكون به سهر واسترخاء بدن وفتور وربما عرض معها بثر احمر وأشقر وربما كان سريع الظهور سريع البطون ويحدث قلاع وقروح ويكون النبض في الأكثر متواترا صغيرا ويشتد في الأكثر ليلا وربما حدثت بهم حالة كالاستسقاء ويختلف المرار وغيره ويكون برازه لينا سمجا غير طبيعي وربما كان سوداويا وأكثره يكون زبديا منتنا وفيه شئ من جنس ما يذوب ويكون بوله مائيا مربا سوداويا وكثيرا ما يتقيأ السوداء وأما الصفراء فأكثر ذلك ويعرقون عرقا متنا وهذه الحمى تبتدئ مع الاعراض المذكورة بقوتها ويؤل الامر إلى الغشي وبرد الأطراف وليثرغس والتشنج والكزاز وقد يكون من هذه الحميات الوبائية ما لا يشعر فيها العليل ولا الجاس الغريب بكثير حرارة ولا يتغير النبض والماء كثير تغير ومع ذلك فإنها تكون مهلكة بسرعة تدهش الأطباء في أمرها وأكثر من تنتن نفسه من هؤلاء ومن الأولين يموت فان العفونة تكون قد استحكمت في القلب * (علامات الوباء) * مما يدل على الوباء من الأشياء التي تجرى مجرى الأسباب أن يكثر
(٦٥)