* (فصل كلام كلي في التحرز عن السموم المشروبة وعلاجها) * من خاف أن يسقى سما فيجب أن يحترز عن الأغذية الغالبة الطعوم في حموضة أو ملوحة أو حرافة أو حلاوة والغالبة الروائح فإنهم يكسرون بذلك طعم ما يدسونه ورائحته ويجب أن لا يحضروا مكانا منهما على جوع شديد أو عطش شديد فان كل واحد منهما يخفى ما يجب أن يتفطن له لشدة النهم وعلى أن الممتلئ من الطعام والشراب إذا سقى السم عرض للسم عرضان أحدهما أن يندفن في خلال ما امتلأ منه والثاني أن العروق تكون مملوءة فلا يجد السم فيها منفذا وربما كان فيها طعم شئ يضاد السم هذا ويجب عليه أيضا أن يكون متنا ولا على سبيل الاعتبار الأدوية الدافعة المضرة السموم كالمثروديطوس فقد جرب منفعة ومثل معجون الطين الأرمني وكذلك التين مع ورق السذاب والجوز والملح الجريش وأما الأوزان فان يأخذ من السذاب اليابس عشرين جزا ومن الجوز جزأين ومن الملح خمسة أجزاء ومن التين اليابس خمسة اجزاء والجدوار عجيب في دفع مضرة السموم كلها وبوجا أيضا ولست أحقق هل هما دواءان أو دواء واحد وأيضا من بزر السلجم الصغار وزن درهم ونصف يشرب بالمطبوخ والسذاب والملح أيضا كذلك ويجب على المتحرز أن لا يكون كل تحرزه من اطعام غيره أو سقيه فربما عرض له من حيث لا يحتسب بل قد يتفق أن يسقط شئ خبيث مثل العظاية والرتيلا والعقرب فيما يطبخ أو في الأواني التي فيها شراب فان كثيرا من الهوام يحب رائحة الشراب ويبادر إليه وقد يموت في الدنان وقد يشرب منه ويتقيأ فيه ولهذا يجب أن يتوقى المسقفات وما تحت الشجر العظام والمعاشب والله أعلم * (فصل كلام كلي في السموم المشروبة) * أصناف السموم صنفان فاعل بكيفية فيه وفاعل بصورته وجملة جوهره والأول اما كان معفن مثل الأرنب البحري واما ملهب مسخن مثل الأوفربيون واما مبرد مخدر مثل الأفيون واما مسدد لمسالك النفس في البدن مثل المرداسنج واما الفاعل بجملة جوهره فمثل البيش ومثل الهلهل الذي يدعى انه صمغ اما للبيش واما لقرون السنبل واما لشئ آخر ومثل قرون السنبل ومثل مرارة النمر وما أشبه ذلك وهذا شر السموم وأيضا فان من السموم ما يحمل على عضو واحد بعينه مثل الذراريح على المثانة والأرنب البحري على الرئة ومنه ما يحمل على جملة البدن مثل الأفيون وكلما قيل بتبديل المزاج أو بالتعفين أو بالحمل على عضو فقد يجوز ان يكون فعله بعد حين على أن المتعفن كلما بقى في البدن كان فعله أردأ والسلامة منه بتحليل يعرض له ولما يعقبه بالعرق ونحوه أو بالعلاج المقابل له واعلم أن مضرة المخدرات بالأمزجة الحارة من جهة أضعف ومن جهة أقوى وأي الجهتين غلب كان الحكم له فمن حيث إن المزاج الحار في القلب يقاومها ففعلها أضعف ومن حيث إنها تجد من البدن الحار تلطيفا لجوهرها البارد الثقيل واجتذابا بقوة حركة الشريانات وجذبها عند الانقباض فتكون نكايتها في الأبدان الحارة أشد لا سيما وهي مضادة لمزاجها ويشبه ان يكون القول في السموم الحارة هذا القول أيضا فان المزاج الحار يقاومها بالدفع عن القلب وتحليل القوة لكن الشرايين من المزاج الحار يجذبها فيعرض مثل ذلك ولذلك قال جالينوس ان القونيون وأظنه البيش أو سما قاتلا انما يقتل
(٢١٨)