المخالفة ولا يصح السخط عليه، وكيف يصح السخط على من لا يعرف الخير والحسن لكي يعرف حسن الطاعة ولا يعرف الشر والقبيح لكي يعرف قبح المخالفة وتعدي الوصية.
بل مقتضى التوراة أن أكله من الشجرة أوجب له الحياة الروحية، إذ صار عارف الخير والشر كالإله وصار قابلا بمعرفته أن يشرق في قلب نور العرفان والإيمان والرغبة في الطاعة.
وثانيهما: إنه يوم أكله من الشجرة دبت فيه أسباب الموت وغرست في جسمه بذور الفناء..
والتوراة توضح إن هذا وهم فاحش لأن مقتضاها أن آدم لم يخلق للبقاء بل قد وقعت المحاذرة والتدابير لئلا يأكل من شجرة الحياة فيعيش إلى الأبد كما ستسمعه فهو من يوم خلق قد غرس التقدير في جسمه بذر الفناء فهذا الموت التقديري لازم له قبل أكله من الشجرة.
ثم اعلم أن كاتب التوراة الرائجة وحاشا الحقيقة قد أودع مضمونها السخيف أكثر مما قالته الحية في المنشأ لنهي آدم عن الأكل من الشجرة، غفرانك اللهم وأنت المستعان على عبث الأهواء.
وتقول التوراة الرائجة أيضا إن يهوه تبارك اسمه وجل شأنه سمع آدم وحوا صوته وهو متمش في الجنة عند ريح النهار فاختبأ آدم من وجهه في وسط شجر الجنة فنادى يهوه الإله آدم وقال له أين أنت؟ فقال: سمعت صوتك في الجنة فخشيت لأني عريان فاختبأت فقال: من أعلمك أنك عريان هل أكلت من الشجرة (تك 3، 8 - 12).
أفلا ترى أن هذا الكلام يقول بسخيف مضمونه أن الله جل شأنه جسم يتمشى في الجنة وله في تمشيه صوت، وأن آدم بعد ما صار عارفا للخير والشر عرف أن الاختباء في شجر الجنة يخفيه على الله تعالى شأنه، وكأنه لأجل ذلك سأله أين أنت.
وتقول لما أكل آدم من الشجرة وصار عارفا للخير والشر، قال يهوه: هو