محلين وهما الجنة والنار، فمحل المؤمنين الحقيقيين هو النعيم ومحل غير المؤمنين هو الجحيم، فالاعتقاد بوجود سبع دركات وسبع أبواب لجهنم من الاعتقادات الوثنية ومن خرافات اليهود.
قلنا: لا يخفي اختلاف الغاوين في غوايتهم والمجرمين في عظائم جرمهم، فلا بد لمن يؤمن بالآخرة والعقاب وجهنم أن يذعن باختلاف العقاب فيها بحسب أنحاء الإلحاد والكفر والفساد والظلم واضطهاد الداعين إلى الله، ولا بد أن تختلف دار العقاب في معاقل سجونها في شديد العقاب وأشده، وهذه حقيقة لا ينكرها غير الملحد ولا طريق لتفصيل مجملها إلا الوحي الإلهي، وقد بين الله العظيم في كتابه الكريم نحوا من ذلك حسبما يقتضيه حال الموعظة، وأما الكتب الرائجة التي اغتر المتكلف بها فلم تصرح بخلاف هذه الحقيقة ولم تقل إن جهنم لها باب واحد أو طبقة واحدة، وإن اقتصارها على ذكر جهنم لا يقتضي دلالتها على أنها عرصة بسيطة فيها نار واحدة بكيفية واحدة وعقاب واحد، وإنها لينبغي التشكر لبعضها إذ سمح بذكر جهنم، فإن التوراة الرائجة - وحاشا الحقيقية - لم تطر لجهنم ذكرا، وإنما شددت وعيدها بالقحط والأمراض، وأن يتزوج الخاطئ امرأة ورجل آخر يواقعها (تث 28، 30).
وقد عرفت من أشتات كتابنا حال كتب المتكلف الرائجة في نسبتها إلى الوحي، واشتغالها بالتناقض والفضاول الفارغة، والحجج الواهية، والتفصيل القبيح في مثالب الأنبياء والأولياء، ونسبة الكفر والفضائح إلى قدسهم وإلى عائلاتهم.
ولعل المتكلف يغتر ويقول إن الكتب التي لا يفوتها مثل الاكثار من ذلك لا يفوتها تفصيل الحقيقة لجهنم لو كان لها أصل، فقل له: مهلا ولا تبشر أوهامك فإن الكتاب الذي تستودعه تقلب الأحوال والنشآت وتلاعب الأيام والأهواء مثل ما ذكرناه لا بد من أن تستلب منه كثيرا من الحقائق وكفى بحال التوراة الرائجة حجة عليك، فإنها أكثرت في سفاسفها في شأن الأنبياء والأولياء وتفصيل ثياب هارون وصيدلة البرص ولم تسنح لها الفرصة بذكر جهنم أصلا ورأسا، وإنك في اعتراضك على القرآن بغفلة كتبك قد فتحت للطبيعي باب