الهوى على بصيرته.
وليت شعري أن إنجيله يقول: إن من يزعمه أقنوم الابن والإله المتجسد والكلمة التي هي الله لا يعلم من أمر الساعة ما يعلمه أقنوم الأب، (مر 13، 32)، فلماذا لا يقول المتكلف: لا أعتني بأحكام أقنوم الابن وعلومه لأنه لا يعلم ما يعلمه أقنوم الأب كما لم يعتن ببديهيات العقل وأساسيات أحكامه، متشبثا بأن الله حجبه عن بعض المعلومات مثل الوصول إلى حقيقة الروح..
وليت شعري لماذا يستغرب المتكلف وينكر أن يكون في اليونانيين من يوحد الله وينهى عن الشرك به، ويعلم بمكارم الأخلاق، أفيدعي أن كل اليونانيين في أجيالهم يقولون في بعض البشر أنهم آلهة وأولاد الإله قد تجسدوا واتحد لاهوتهم بناسوتهم، فالواحد منهم إله وإنسان حقيقيان وربما ولد بعضهم من عذراء.
أفلم يكن توحيد الإله وتنزيهه عن مثل هذه الخرافات الباطلة موجودا في العالم، كيف وتوراته تقول: إنه من زمان (شيث) ابتدأ أن يدعى باسم الرب (تك 4، 26).
وتقويم توراته العبرانية يحتمل أن يكون إبراهيم قد أدرك سنين عديدة من حياة نوح كما زعمه المتكلف (يه 2 ج ص 217)، وعليه فتكون دعوة التوحيد من الأنبياء مستمرة أو قريبة من الاستمرار، أفلا يمكن أن تسري روحها في أرجاء الأرض ويشرق نورها على من له عقل يعرف به سخافة القول بتجسد الإله.
إذا فمن أين كان ملكي صادوق (وهو في فلسطين دار الشرك) كاهنا لله العلي (تك 14، 19).
فهل يقول المتكلف إن العقل لا يمكن له أن يغلب الهوى فيهدي إلى توحيد الله ويرشد إلى الصلاح ومكارم الأخلاق، وأن الأنبياء الكرام لم ينشروا الدعوة إلى ذلك..
وحقيقة الأمر إن العقل الحاكم بعدل الله وغناه وحكمته وقدسه ورحمته ولطفه ليحكم بأن الله تبارك اسمه لا يخلي الأرض من داع إلى توحيده وتقديسه