نحن فتنة فلا تكفر) (الآية).
فاعترض المتكلف (يه 2 ج ص 20 - 23) على ذلك بوجوه.
أحدها: إنه لم يكن في عهد سليمان شياطين يعلمون الناس السحر.
قلت: لا ينبغي للكتابي المتتبع لكتبه أن ينكر وجود الشياطين، ولا ينبغي أن ينكر تصديهم لإضلال الناس وتعليمهم الضلال بكل نحو، أفلا ينظر المتكلف أقلا إلى ما في العهد الجديد وقوله في الدجال الذي مجيئه بعمل الشيطان بكل قوة وبآيات وعجائب كاذبة (2 تس 2، 9) على أنه يجوز أن يراد من الشياطين شياطين الإنس، كما حكي عن المسيح أنه قال لبطرس: إذهب عني يا شيطان (مت 16، 23) وسمي يهوذا الاسطحريوطي شيطانا (يو 6، 70 و 71).
ثانيهما: ادعى أن مراد القرآن أن الله أنزل السحر على الملكين، فأخذ يقول: حاشا المولى أن يصنع عثرة لبني آدم بأن يقيم معلمين خصوصيين لتعليم الناس الضلال.
قلت: لا يدل القرآن الكريم على أن المنزل على هاروت وماروت هو السحر الممحض للضلال، بل إن سوق القرآن وخصوص عطفه على السحر ظاهر في أنه شئ مقابل للسحر فيكون من الأسماء الفعالة في الخير والشر ولذا كان الملكان يحذران من يعلمانه ويقولان له: إنما نحن بما عندنا فتنة وامتحان فلا تكفر باستعمال ما نعلمك في الشر كما تفعل بالسكين المعمولة لمنافع البيت فتستعملها في قتل النفوس المحترمة، وكالسموم المخلوقة للمنافع تستعملها في إهلاك النفوس فيتعلمون منهما ما يستعملونه بضلالهم في التفرقة بين المرء وزوجه، ولا يستعملونه في منافعهم، بل يتعلمون ما يعقبهم الضرر بغوايتهم ولا ينفعهم حيث رغبوا عن منافعه إلى اقتراح أهوائهم وضلالاتهم، هذا هو مقتضى دلالة القرآن الكريم ومقتضاه أن هاروت وماروت لم يكونا ضالين ولا مضلين، بل لا يعلمان أحدا حتى ينبهانه على وجه الامتحان ويحذرانه عن الضلال والكفر، كما