نعم أذعن به القحطانيون وخضعوا له لأنهم لا يجدون سبيلا إلى إنكاره مهما ثار الحسد بنخوة القوة. ولا يخفى في فلسفة التاريخ أن مثل تاريخ الكعبة وبنائها بالنحو الذي ذكرناه يكون أولى بالاذعان من كل تاريخ في العالم. فإن التاريخ الذي في الكتب غاية ما فيه أنه ينتهي سواد كتابته إلى واحد من الناس.
وإن شئت سميته المؤرخ الكبير والرحالة الباحث المحقق فإنه لا تكون لمشاهداته قيمة علمية إلا إذا تأيدت بشهادة قوم أو أمة. إذن فما حال ما يكتبه بالسماع عن فلان عن فلان.
وبعد أن أظهر الله مجد البيت الحرام وشرف بدئه وكرامة تاريخه وحججه بما لم يحظ به تاريخ في العالم أظهر ما تقتضيه كرامته وأولويته بالاحتفال وإقامة التشريفات تذكارا له وتخليدا للعبادة التوحيدية وإكراما لأوليائه حماة التوحيد وتذكار أعمالهم فقال (ولله على الناس حج البيت) لا على جميع الناس حتى فقيرهم وعاجزهم ومن يخاف على أهله ونفسه بل على (من استطاع إليه سبيلا) بالاستطاعة العرفية الدائرة بين الناس في أسفارهم وقال الله جل اسمه في الآية الخامسة والعشرين بعد المائة من سورة البقرة (وإذا جعلنا البيت مثابة للناس) مشعرا لعبادتهم الله وسببا لثوابهم بامتثال أوامر الله وخضوعهم له في الحج وأعماله (وأمنا) كما أجراه الله بلطفه نوعا فيما بين العرب فكان من يلجأ إليه يكسب الأمن ومن جاوره يحظى بالاحترام.
وخاطب الله عباده تشريفا لإبراهيم بقوله تعالى: (واتخذوا من مقام إبراهيم) هذا الذي تعرفونه بتاريخه القطعي المتسلسل في الأمم والأجيال يدا بيد وتعرفون أن إبراهيم قام عليه لعمارة بيت عبادة الله وتوحيده اتخذوا من ناحيته (مصلى) لله تذكارا لإبراهيم ومساعيه في سبيل الله.
تم أظهر الله أن شعار العبادة هناك كانت شريعته وشريعة الطواف بالبيت عهدا من الله لإبراهيم فقال جل اسمه (وعهدنا إلى إبراهيم