والعشرين من سفر الملوك الثاني ومن العدد الثامن إلى الثاني عشر من الفصل الرابع والثلاثين من أخبار الأيام الثاني.
ودع عنك ما نال بيت المقدس من تخريب (بخت نصر) و (طيطوس) الذي أخربه بالخراب الكلي. هذا ولم يمض على بيت المقدس ألف وخمسمائة سنة. ومن ذلك تعرف أن بقاء احترام الكعبة ومجد تاريخها وآثار إبراهيم الخالدة وتذكار اسمه الشريف وبنائه للبيت نحو ألفين وخمسمائة سنة مع استيلاء الوثنية عليه إنما هو من آيات الله الخارقة لنواميس العادة. ولا تنس واقعة الفيل و (أبرهة) ملك الحبشة وجيشه العظيم وهلاكهم. هذه الواقعة التي كان عامها مبدأ للتاريخ عند العرب وعنوانا.
ومما يمثل تلك الآيات دوام حرمة البيت واحترامه بين عموم العرب ذوي النخوة والجبروت والتخريب والانتقام والغارات والعدوان فلا يكون هذا الاحترام الدائم بين تلك الأمم المتضادة المتوحشة إلا بعناية من الله لتخليد ذكر إبراهيم خليله. فهو محترم (ومن دخله كان آمنا) نوعا بين العرب لا يؤاخذ فيه بجرم ولا يعتدى عليه مع ما يعرف من حال الأعراب وهذا من الآيات البينات.
فالقرآن الكريم بهاتين الآيتين يشير إلى تاريخ الكعبة ودلائله بحيث لا يتفق لقديم مثله مثل إتقان هذا التاريخ وظهوره والتسالم عليه بين ملايين من البشر في أجيال متعددة كل واحد منهم يعنيه أمره ويخضع لاحترامه مع أن الدواعي المتكاثرة تقتضي أن ينطمس تاريخه ويندرس اسم إبراهيم وإسماعيل أو يثور بين العرب في ذلك الجدال وخصومة الجحود والانكار ولو كان في هذا التاريخ المجيد أدنى شك لما أذعن به القحطانيون هذا الاذعان الكلي وتركوا الإسماعيليين يتقدمون ويفتخرون به على جميع العرب.
ولا يخفى أن مثل هذه المفاخرات عند العرب كانت من أهم الأمور.