إصلاح الانسان بالتهديد به وتحذير الانسان من وبال الإثم الذي يرذله ويجعله من الساقطين المستحقين لذلك العقاب.
ولأجل تحقيق التهديد والتحذير وغايتهما الحميدة في إصلاح الشخص وتكميله وصلاح النوع والاجتماع جعل الله العقاب حتميا في الجملة وأنذر بذلك وأكد الانذار لكيلا تغالطنا أهواؤنا فتسقط غاية التحذير والتهديد. وإن شئت الاعتبار لذلك لكي تذعن بحكمته وتعمه أسلاحه فانظر إلى الحكومات المعتنية بإصلاح المملكة وتكميل أفراد الرعية كيف تجعل قوانين العقاب وتجعل لكل جرم عقابا وتنذر بذلك.
وبحسب استطاعتها لا تجعل لأهواء الرعية مجالا للمغالطة بتأمين المجرم من عقابه الذي يستحقه لئلا يستفحل التمرد. وإن الحكومات يلزمها تعجيل العقاب حذرا من أن يفوتها إجراؤه فتمحى صورة العقاب من المملكة ويبطل التهديد وفائدته في مهمة الاصلاح وتكميل الرعية.
لكن الله الإله القادر الذي لا يفوته شئ قد أجل العقاب نوعا إلى الآخرة إمهالا لعباده لأجل استصلاحهم بالتوبة التي دعا إليها ورغب فيها ووعد التائب بالغفران والرحمة والجزاء ولأجل أن يعطيهم مجالا للتوبة والرجوع إلى الصلاح والاستقامة في سيرهم في نهج الكمال..
ألا وإن الاعتبار الصحيح والنظر الحر والفهم المستقيم المنزه تعرف الانسان أن العقاب والتهديد به وتأجيله نوعا والإمهال لأجل إصلاح التوبة قد أحاطت بها الحكمة والنعمة في إصلاح الانسان وتكميله باختياره من جميع الجهات. ولأجل أن نظام المدنية وصلاح الاجتماع وقطع انتشار الغواية والفساد تحتاج إلى نوع من التأديب المعجل شرع الله في شريعته المدنية الاصلاحية نوعا من العقاب التأديبي وقرنه بجهات من الحكمة من حيث التوبة والعفو.
لكن الانسان الأثيم تغالطه أهواؤه للتمرد في فساده بالشبهات التي لا يخفى فسادها كما ضرب اليعازر لذلك المثل المطابق.