والمفروض إنه مع زوال القصد ونية الرجوع أو التردد لا يصدق عليه أنه يتلبس بالسفر المقدر بالمقدار المذكور " انتهت عبارته (قدس سره).
وتقريبه إن قاطع المسافة متلبس في كل حين بذلك المقدار من السير لا بسير ثمانية فراسخ إلا باعتبار قصده في كل حين لثمانية فراسخ فإذا لزم تلبسه في وجوب القصر من أول سفره إلى آخره لزم قصد الثمانية من أوله إلى آخره.
ويندفع أولا: بأنه لا دلالة له على اعتبار أصل القصد فضلا عن استمراره، لأن موضوع الحكم إذا كان سير ثمانية فراسخ فقط كانت الكمية المزبورة كما متصلا للمجموع، فليس له إلا تلبس واحد خارجا. ووجوب القصر على قاطع هذه المسافة في كل حين مراعى بحصول هذه الكمية خارجا من دون اعتبار قصد أصلا، ولزوم التلبس في كل حين أول الكلام حتى يستنتج منه لزوم القصد في كل حين.
وثانيا: بعد فرض الفراغ عن أن السير المتكمم بالكمية المزبورة لا أثر له كما في طالب الغريم، وإن تلبسه بالسفر يدور مدار القصد، إلا أن المتيقن أن السير الخاص لا بد أن يكون مقصودا من أول الأمر، فالتلبس القصدي شرط في مبدئه لا في جميع أجزائه.
ثانيهما: ما أفاده في موضع آخر وهو ما ذكره (عليه السلام) في ذيل رواية عمار:
" لا يكون الرجل مسافرا حتى يسير من منزله أو قريته ثمانية فراسخ " (1) والمعنى بقرينة السؤال حتى يسير مع القصد (2) ومن البين أن السؤال لم يكن إلا عن سير خمسة فراسخ بلا قصد الرجوع، وإلا لكانت الثمانية التلفيقية مقصودة والجواب لا يفيد أزيد من اعتبار قصد الثمانية من الأول في قبال عدمه من الأول كما في السؤال. فالجواب إذا حمل على أن السير لا بد من أن يكون مقصودا بكمية خاصة لا يقتضي معية القصد للسير حتى يستفاد منه استمرار القصد.
واستدل غير واحد من الأصحاب بالتعليل الوارد في ذيل رواية إسحاق بن عمار