ومنها: إن الوطن الأصلي هو ما نشأ فيه الإنسان وأبوه وجده مثلا ولم يعتبر فيه الملك بلا خلاف، إنما الكلام فيما إذا أعرض عنه وكان له ملك فيه فهل يسقط عن الوطنية بمجرد الاعراض أم لا يسقط إلا بزوال الملك أيضا؟ ولا يخفى أن مثله إذا كان معتبرا فيه اتخاذه وطنا ولو ارتكازا ولو بالتبعية، فيتصور فيه الاعراض الذي حقيقته رفع اليد عن اتخاذه وغاية الأمران الاتخاذ تفصيلي تارة، وارتكازي أخرى، وأما إذا كان مثله وطنا قهريا ولو لم يخطر بباله اتخاذه مقرا دائميا فلا معنى لحقيقة الاعراض عنه، والاكتفاء فيه بمجرد هجره وتركه مشكل، وإلا لكان مهاجرة النبي إعراضا فيختل به أخبار حج النبي (صلى الله عليه وآله) وسفره إلى عرفات فإنه مع إعراضه (صلى الله عليه وآله) وعدم الملك لما حكي عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن أنه قال (صلى الله عليه وآله): " وهل ترك لنا عقيل دارا " (1) يكون سفره إلى عرفات تتمة سفره من المدينة لا سفرا جديدا بانقطاع سفره الأول بوصوله إلى مكة وعدم الإقامة فيها.
نعم يمكن أن يقال إن حقيقة الاعراض وإن كانت في قبال الاتخاذ إلا أن هجره الدائمي بمعنى تركه إلى الآخر لا تركه لضرورة الوقت كما كان من النبي (صلى الله عليه وآله) يسقطه عن الوطنية شرعا.
وأما بقاء حكم الوطن مع بقاء الملك ولو مع الهجر والاعراض فقد استند الشيخ الأجل (2) (قدس سره) في صلاته إلى وجهين:
أحدهما ما حكاه الشهيد (قدس سره) في الذكرى (3) " من أن الصحابة لما دخلوا مكة قصروا لخروج أملاكهم " فيدل على أنه لو بقيت أملاكهم لم يقصروا ثانيهما: دعوى الفحوى فإن الاستيطان الشرعي وهي إقامة ستة أشهر مع بقاء الملك إذا كان موجبا لبقاء حكم الوطنية فالوطن الأصلي مع بقاء الملك حكمه