تدريجيا حتى تكون نية الإقامة في كل آن قاطعة للسفر في ذلك الآن. وعليه فلا معنى للعدول لأنه لا يحقق السفر بعد ارتفاعه ولا معنى لا بقاء انقطاع السفر بفعل صلاة تامة.
وأما إناطة تأثير حدوث الإقامة في انقطاع السفر بفعل صلاة تامة فهو في حكم إناطة وجوب الاتمام بفعل الاتمام، كما أن إناطة تأثير نية الإقامة في انقطاع السفر، بعدم العدول بعدها حتى لا يرد محذور كون العدول محققا لسفر فهو التزام بالشرط المتأخر، ولازمه بطلان الأعمال السابقة على العدول إلا الصلاة التامة المانعة عن تأثير العدول، إلا أن كل ذلك مبني على كون نية الإقامة قاطعة للسفر حقيقة كالورود إلى الوطن.
وأما إذا كان قاطعا تنزيلا بمعنى أن ناوي الإقامة بمنزلة الحاضر شرعا في جميع أحكامه حتى في اعتبار المسافة عند ارتحاله، وبه يمتاز عن كونها رافعة لأحكام السفر. وعليه فالحضور له الحدوث والبقاء فهو ما دام ناويا للإقامة باق على حضوره، وإذا ارتفعت النية أرتفع الحضور إلا إذا صلى تماما فإنه بها يبقى على حضوره وإن زال سببه الأول.
ومنه يعرف أنه يتصور على هذا الشق أيضا صورة أخرى وهي: تأثير النية بحدوثها فقط في الحضور تنزيلا إلى أن يرتحل ويكون العدول رافعا لأثرها من حينه لا من حينها وتكون الصلاة التامة مانعة عن تأثير العدول، بل لعل هذه الصورة أبعد من المحذور من الصورة الأولى لأن مقتضى صحيحة أبي ولاد (1) هو وجوب الاتمام بعد فعل صلاة تامة لا كونها مبقية لحضوره كما كانت النية مقتضية له بخبر من قدم مكة قبل التروية إلى قوله: " فهو بمنزلة أهلها " (2) وإذا لم يكن تنزيل في الصحيحة للفريضة التامة منزلة النية في اقتضائها لحضور التنزيلي لم يكن سفره بعد العدول سفر الحاضر حتى يعتبر فيه المسافة، بل حاله حال الشق الأول من كون النية رافعة