الاتلاف يتكفل الضمان في فرض وجود موضوعه وهو اتلاف مال الغير فكيف يعارض ما يتكفل اخراج المبيع عن كونه مال الغير؟! هذا تمام الكلام في الوجه الأول.
ثانيهما: أن الاتلاف يوجب تعذر التسليم، فيوجب الخيار، وحيث إنه متعلق بمال المشتري مع بقاء موضوعه، لأن الخيار مؤكد لبقائه لا مناف له فيعمه دليل (من أتلف) فله الخيار وله التضمين بالبدل، غاية الأمر أنه مع أعمال الخيار وانفساخ العقد لا يبقى له مجال التضمين، كما أنه مع أخذ البدل وقبض ماله بماليته لا مجال لأعمال الخيار، إلا أنك قد عرفت سابقا (1) أن مورد خيار تعذر التسليم ما إذا لم يتمكن فعلا من تسليمه مع امكانه في نفسه، ولذا قلنا بلزوم حمل السرقة في خبر عقبة بن خالد على ما لا يرجى عوده عادة، وما نحن فيه أولى بذلك، فلا مجال للخيار، ولو تنزلنا عن شمول التلف للاتلاف كما هو ظاهر الخبر المزبور فالأوجه ضمان الغرامة ولو بضميمة أصالة بقاء العقد وبقاء ملك المشتري على حاله، والله أعلم، هذا كله إذا كان الاتلاف من البائع.
وأما إذا كان الاتلاف من الأجنبي فتجري فيه الوجوه المتقدمة، ووجه الانفساخ فيه أظهر، لما في خبر عقبة بن خالد من الانفساخ بما هو بمنزلة اتلاف الأجنبي فاتلافه أولى بأن يكون موجبا للانفساخ.
وتوهم: أنه لا ينافي التخيير، فإن تعين الضمان بالمسمى لتعذر الفرد الآخر وهو الرجوع على السارق لعدم معرفته.
مدفوع: بأن ظاهر مجموع الرواية تعين الانفساخ في نفسه، لا من حيث تعذر الفرد الآخر، هذا في التخير بين أعمال سبب الانفساخ وسبب الضمان بالبدل، وأما التخير بين الخيار والرجوع بالبدل فالأمر أوضح، إذ الظاهر من الخبر تعين التلف من مال البائع، لا تعينه بعد أعمال الخيار.
وأما ما قيل من أن وجه التخيير هنا أقوى فلم يعلم له وجه، ولعله بملاحظة