وعلى فرض صحته فاستقرار العقد عرفا على هذا المقدار لا ينافي انفساخ العقد المستقر بالتلف قبل الأخذ والامساك شرعا، ولا يخفى أيضا أن معنى قوله في الرواية (ترك المتاع عنده ولم يقبضه) هو أنه أبقاه على حاله، لا أنه أودعه عنده حتى يكون مخالفا للقاعدة في الوديعة، حيث إن التلف لا يوجب ضمان الغرامة، فضلا عن ضمان المعاوضة.
ومنها: أن كل ما ذكرنا إنما هو في التلف، وأما الاتلاف فتارة من المشتري، وأخرى من البائع، وثالثه من الأجنبي، أما إذا كان من المشتري فظاهر غير واحد أنه بمنزلة قبضه، وعلله (قدس سره) في المتن بأنه ضمن ماله باتلافه، أي خسره باتلافه، فلا يكون خسارة من البائع، وهو بظاهره لا يخلو عن مصادرة، إذ لو كان الاتلاف كالتلف موجبا للانفساخ كان خسارة من البائع، نعم حيث إنه قبل الاتلاف ينفسخ العقد ويكون المبيع ملكا للبائع فالاتلاف وارد على مال البائع، فيضمنه المشتري بضمان الغرامة، ويعود الثمن إليه بمقتضى ضمان المعاوضة، فهو خسارة البائع من وجه، وخسارة المشتري من وجه آخر، ولعل غرضه (قدس سره) أن القبض حيث إنه للانتفاع به بوجوه التصرفات، فالاتلاف الذي هو فعلية التصرف منه المتحقق باستيلائه عليه بالقوة رافع للضمان، كما أن الاستيلاء والأخذ الذي يكون التصرف بسببه بالقوة رافع له، فقد خسر ماله بتصرفه فيه باتلافه، فتدبر.
وأما إذا كان الاتلاف من البائع ففيه وجوه:
أحدها: الانفساخ به كالانفساخ بالتلف، نظرا إلى أن الضمان معلق على التلف من دون تقيده بسبب قهري أو اختياري، بل ظاهر خبر عقبة بن خالد شموله للاختياري، فإن السرقة المنزلة منزلة التلف لا تكون إلا بالاختيار، ولا فرق في هذا المعنى بين اتلاف الأجنبي والبائع.
ثانيها: كون اتلافه موجبا لضمان الغرامة، نظرا إلى اختصاص النبوي بالتلف الذي يقابل الاتلاف عرفا، وعلى فرض الشك في الشمول فأصالة بقاء العقد وبقاء المبيع على ملك المشتري ينقح موضوع من أتلف مال الغير، لئلا يتوهم أنه تمسك بالعموم