أحدها: أن المنافع تدريجية الوجود، ولها نحوان من الاستيفاء:
الأول: هو الاستيفاء الحقيقي الخارجي باخراج المنافع من القوة إلى الفعل ومن العدم إلى الوجود، فايجادها على طبع وجودها تدريجي.
والثاني: وهو الاستيفاء الاعتباري بنقلها إلى الغير بإجارة أو صلح، ومثل هذا الاستيفاء دفعي، فإن مالك العين يملك منافعها الأبدية فعلا، فله تمليكها للغير فعلا.
فالعين المستأجرة عند انتقالها بالبيع غير واجدة للمنافع، حتى تملك بتبع العين ليؤخذ بدلها، بل لا مجال إلا للخيار، بخلاف الأرض المزروعة أو المغروس فيها فإن استيفاء منافعها بالزرع والغرس استيفاء خارجي، وبقاؤها في كل آن استيفاء لمنفعة الأرض في ذلك الآن، فما دامت الأرض مملوكة للزارع والغارس كان الاستيفاء متعلقا بمنفعة (1) المملوكة له، وإذا انتقلت الأرض بمنافعها الغير المستوفاة لا حقيقة ولا اعتبارا كان ابقاء الزرع والغرس استيفاء للمنفعة المملوكة لمالك الأرض فعلا، فلا مجال للقياس بالإجارة.
ثانيها: أن كل مال مضاف إلى المسلم بإضافة الملكية له الاحترام بلحاظ حيثية المالية وبلحاظ حيثية الملكية، والاحترام من الحيثية الأولى مقتضاه عدم ذهابه هدرا وبلا تدارك، والاحترام من الحيثية الثانية مقتضاه عدم مزاحمة المالك في سلطانه بالتصرف فيه من غير إذنه ورضاه، وهذا هو الذي يقتضيه دليل السلطنة على المال.
وعليه فسلطنة المشتري على ماله عينا ومنفعة وإن كانت مقتضية للسلطنة على منع البائع من ابقاء الغرس والزرع، إلا أن هذه السلطنة لما كانت ضررية على البائع حيث لا مناص له مع المنع من الابقاء إلا القلع الضرري، وقاعدة الضرر حاكمة على أدلة الأحكام، ومنها دليل السلطنة، فلذا نقول بأنه ليس للمشتري المنع عن الابقاء رأسا، وأن للبائع ابقاء الزرع والغرس، إلا أن ذهاب هذه السلطنة وسقوط احترامها بسبب الضرر لا يقتضي بوجه سقوط نفس المال عن الاحترام وذهابه هدرا، مع عدم كون استيفاء المنفعة ببدلها ضرريا لا على البائع ولا على المشتري، فيكون كأكل