أما الأول فنقول: حقيقة شرط الفعل الالتزام بالعمل للآخر، فيكون كالإجارة حيث إنها أيضا التزام بالعمل للمستأجر، فكما أن كون العمل له يفيد الاختصاص الملكي كذلك الالتزام الشرطي بالعمل للمشروط له يفيد الاختصاص الحقي.
ولا يقال: إن الإجارة تمليك المنفعة، وإن كان مورد الالتزام، ولا تمليك ولا جعل الاستحقاق هنا، وإلا كان من شرط النتيجة، بل مجرد الالتزام بالعمل له.
فإنه يقال: إن مفهوم الإجارة ليس عين مفهوم تمليك العمل، بل جعل نفسه لعمل خاص بالأجرة، فالتمليك مستفاد من هذا الجعل، وليس لبه إلا الالتزام بالعمل له، فكما أن اللام في باب الإجارة تفيد الاختصاص الملكي فكذلك في باب الشرط.
ولا يقاس اللام هنا باللام في النذر، نظرا إلى أن اللام في قوله " لله علي أن أفعل كذا " لام الصلة لا لام الملك كذلك هنا، فإن الالتزام إذا كان بين طرفين فلا محالة من أحدهما للآخر، فحقيقة الشرط الالتزام لشخص بعمل لا الالتزام بعمل لشخص.
وجه فساد القياس أن الملك الاعتباري الذي يتسبب إليه بالأسباب الانشائية مفقود في حقه تعالى، وإن كان تعالى شأنه مالكا بأتم أنحاء المالكية إلا أنه نحو آخر من الملكية الحقيقية للملاك والأملاك، فهذه قرينة على أن اللام في النذر للصلة لا للاختصاص الملكي، وليس مثل هذا الصارف في ما نحن فيه.
والانصاف: أن اللام وإن كان متعلقا بالعمل لا يستلزم الاختصاص، فإذا قيل " التزمت لك بالخياطة لزيد " صح ومع ذلك لا يستحق زيد شيئا، وإنما المستحق على القول به هو المشروط له دون الأجنبي، ولذا لا شبهة في أن أمر هذا الشرط مطالبة واسقاطا بيد المشروط له لا بيد الثالث، فلا فرق بين الالتزام له بعمل والالتزام بعمل له.
نعم لا يبعد أن يقال إن ظاهر الالتزامات في باب المعاملات والمعاوضات هو تمليك العمل بالتزامه وتسليط الغير على نفسه، خصوصا إذا كان للملتزم به عوض، كما إذا التزم في ضمن المعاملة بخياطة ثوبه بدرهم، فإن العرف لا يكاد يرتابون في أن أحدهما يملك العمل، والآخر يملك الدرهم، لا أن هذا الالتزام محقق لوجوب