من هنا لا يتسنى للأشخاص الذين يتبعون أهواءهم وميولهم الفئوية أن يختاروا الأصلح، لأنهم سيصوتون لمصلحة من يلبي حاجاتهم، لا حاجات المجتمع. في حين أن القائد الأكفأ هو الذي يقود المجتمع باتجاه تلبية حاجاته الواقعية، ويحترم رغبات الناس ما لم تتعارض مع حاجاتهم.
في ضوء ذلك، ما دام الناس لا يمتلكون الوعي الفكري والأخلاقي المناسب لاختيار القائد الأفضل والنظام القيادي الأحسن فإن الديمقراطية لن تحل مشكلات المجتمع، بل تزيدها تعقيدا، وكما قال البروفسور شاندل:
" أكبر عدو للحرية والديمقراطية بنوعهما الغربي هو الديمقراطية والليبرالية والحرية الفردية نفسها " (1).
ونلحظ في عالم اليوم أن الديمقراطية تطرح كنظام ضعيف، بل خطر ومضاد للثورية. ومن هذا المنطلق، لا تربط المدارس العقيدية مصير الثورة بعد انتصارها التمهيدي بالديمقراطية في بادئ الأمر، بل تعتقد أن المجتمع ما لم يتهيأ لاختيار قائد عقائدي عن طريق الشورى والرجوع إلى التصويت العام فلابد له أن يواصل حياته الثورية بتوجيه من قيادة عقائدية.
إذا ألقينا نظرة خاطفة على تاريخ صدر الإسلام ولاحظنا مستوى العلم والوعي والأخلاق الذي كان عليه المجتمع الإسلامي يومئذ أدركنا بيسر أن ورثة الثورة بعد النبي (صلى الله عليه وآله) لم يكونوا يمتلكون الاستعداد الكافي لاختيار القائد الأفضل. والحوادث التي وقعت خلال ربع قرن بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) دليل آخر على ما نقول. ولو كان المجتمع الإسلامي آنذاك مستعدا لاختيار القائد الأفضل لما صارت الخلافة الإسلامية ملكا وراثيا خلال أقل من خمسين سنة، ولما حكم أعداء الإسلام المسلمين هذا اليوم باسم الإسلام. من هنا كان متعذرا على النبي (صلى الله عليه وآله) المتصل بالوحي أن يترك قيادة الأمة لنظام