العدالة والقيادة إن نظرة عميقة للقرآن الكريم والأحاديث تبين لنا أن العصمة - من منظار الإسلام - هي أسمى درجات العدالة، وشرط لأرفع درجات قيادة الأمة. وسيأتي توضيح هذا الموضوع في الفصل الثاني من القسم الخامس، وسنثبت هناك أن نفي مطلق الظلم عن القيادة لا يتيسر إلا إذا كان القائد معصوما.
والنقطة الجديرة بالاهتمام هنا هي أن العدالة في أرفع درجاتها - بعد العصمة التي كانت لأنبياء الله وأوصيائهم، وخاصة في عصر غيبة الإمام المعصوم كما في عصرنا الحاضر - إنما هي شرط للولاية ولقيادة المجتمع الإسلامي.
بعبارة أخرى: مع أن العصمة في القيادة ليست ضرورية لغير الأنبياء وأوصيائهم الخاصين بيد أن مطلق العدالة لا يكفي أيضا، لأن العدالة التي تعد شرطا لإمامة المجتمع وقيادته هي غير العدالة التي تمثل شرطا لإمامة الجماعة في الصلاة أو لقبول الشهادة في المحاكم، بل إن القائد غير المعصوم ينبغي أن يتحلى بأرفع درجات العدالة الأخلاقية بعد المعصوم. ونحصل على هذه الرؤية من الإطلاق في كلام الإمام الرضا (عليه السلام) عن سيماء قيادة المجتمع الإسلامي. قال صلوات الله عليه:
" للإمام علامات: أن يكون أعلم الناس، وأحكم الناس، وأتقى الناس... " (1).
من فاق أهل زمانه جميعهم في تقواه فهو متصف بأرفع درجات العدالة بعد الإمام المعصوم. وإذا أحرز الشروط الأخرى للقيادة أيضا فهو قمين (2) بحمل أمانة الإمامة والقيادة من منظار الإسلام.