أيضا، فكيف وهو أعظم الأنبياء جميعهم؟ ولا يمكن أن يدلنا التاريخ على شخصية بين الأنبياء العظام ورجال الفكر في العالم كالرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) الذي كان حتى اللحظات الأخيرة من حياته يفكر بمستقبل دعوته وأمته. وسيرته المباركة كلها برهان ساطع على ما نقول.
كان (صلى الله عليه وآله) حتى على فراش الموت - وقد اشتدت به علته، وشعر أنه في اللحظات الأخيرة من حياته - كان يفكر كذلك بحملة خطط لها من قبل، وأعد جيش " أسامة " للجهاد في سبيل الله. وفي تلك الحالة المؤلمة التي كان يغمى فيها عليه (صلى الله عليه وآله) يوصي بإنفاذ الجيش كلما أفاق، ويكرر قوله المشهور: " جهزوا جيش أسامة. أنفذوا جيش أسامة " (1).
ولو تغاضينا عن جميع ما ذكرناه فإن حادثة مهمة واحدة وقعت في اللحظات الأخيرة من حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله) واتفق على نقلها المحدثون من الفريقين تكفي لإثبات بطلان فرضية " الطريق السلبي ".
وتتلخص الحادثة المذكورة في أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان على فراش المرض، وفي البيت رجال - منهم عمر بن الخطاب - فقال:
" ائتوني بكتف ودواة أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا " (2).
يدل هذا الكلام الذي اتفق على نقله وصحته المحدثون الكبار من المسلمين على أن الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله) كان ملما إلماما تاما بالأخطار التي تهدد مستقبل دعوته، وكان يشعر بضرورة التخطيط للوقاية منها. لذلك لم يختر الطريق الأول - الذي يمثل موقفا