القدرة على تشخيص الأصلح ضرورة وجود هذا الشرط لا تحتاج إلى توضيح. ولا شك أنه لا يمكن أن ينتظر ممن لا قدرة له على تشخيص الأفضل أن يختار لنا الأفضل. وعلى هذا يكون أول شرط للنجاح في نظام الشورى هو بلوغ الناس درجة من النضج الثقافي والسياسي بحيث إنهم يستطيعون أن يختاروا أفضل أنظمة القيادة وأفضل قائد. وبلوغ هذه الدرجة من الوعي والتبصر العملي أمر في غاية الصعوبة، بل إذا أخذنا بنظر الاعتبار التعقيد الموجود في حقيقة الإنسان وباطنه (1) عرفنا أنه لا يتيسر اختيار الأفضل - حتى لأهل الخبرة - بلا توجيه من عقل كلي محيط بزوايا الإنسان الباطنية، فكيف بأكثرية المجتمع؟ وكيف بمجتمع كان حتى الأمس يرى أن معرفة الله لا تعدو السجود للحجارة والخشب؟!
روى سعد بن عبد الله القمي أنه سأل الإمام المهدي - أرواحنا لتراب مقدمه الفداء - فقال: أخبرني يا مولاي عن العلة التي تمنع القوم من اختيار إمام لأنفسهم، قال: مصلح أو مفسد؟ قلت: مصلح.
قال: هل يجوز أن تقع خيرتهم على المفسد؟... قلت: بلى.
قال: فهي العلة.
وواصل الإمام (عليه السلام) كلامه، ونقل حادثة، وذكر أن اختيار الأصلح لابد أن يتم بمساعدة من يعرف ما تكن الضمائر، وتنصرف عنه السرائر (2).
استقامة الناخب لا تكفي القدرة وحدها على تمييز الأفضل لاختيار قائد المجتمع الإسلامي، فلابد للناخب أن يكون متحررا من الهوى والخوف كي يستطيع أن يستثمر تلك القدرة.