قال: كنت ليلة من ليالي الشتاء سهران، وإذا بأبي جعران يصعد منارة السراج فيزلق لكونها ملساء، ثم يرجع. فعددت عليه تلك الليلة سبعمائة زلقة يرجع بعدها ولا يكل، فتعجبت في نفسي فخرجت إلى صلاة الصبح، ثم رجعت فإذا هو جالس فوق المنارة بجنب الفتيلة، فأخذت من ذلك ما أخذت. أي انه تعلم منه الثبات مع الجد (1).
نستنتج من هذا كله أن أفضل رصيد للسلوك إلى الحق وبلوغ قمة التكامل - حيث موقع الإنسان الكامل والإمامة - الإرادة القوية والهمة العالية، التي تدفع الإنسان إلى اختيار الله سبحانه وتعالى، كما كان الإمام العسكري (عليه السلام) يقول في قنوته:
" وقد علمت أن زاد الراحل إليك عزم إرادة يختارك بها " (2).
قال الشاعر حافظ الشيرازي ما ترجمته:
البحر والجبل في طريقي وأنا ضعيف ومتعب، فزد في همتي أيها الخضر المبارك.
علو الهمة والقيادة إذا لاحظنا ما جاء في هذا الفصل تبين لنا أن ضرورة علو الهمة للقائد لا تحتاج إلى مزيد من التوضيح. وكان القادة جميعهم يتحلون بهذه الصفة، ويستثمرون هذا الرصيد الثمين من أجل بلوغ أهدافهم.
ونجد في دراسة سيرة القادة الربانيين الكبار - خاصة رسول الله وأهل بيته صلوات الله عليهم - أن علو هممهم لافت للنظر ويعلم دروسا مفيدة كثيرة. ومن المناسب التوفر على دراسة سيرتهم (عليهم السلام)، وعرض نماذج من علو هممهم على الأمم والشعوب. ونشير فيما يأتي إلى نموذجين من نماذج علو الهمة عند رسول الله (صلى الله عليه وآله):