البناءة فحسب، بل إن إقامة هذا الحق واجب عليهم كتكليف إلهي.
ويرى القادة الربانيون الكبار أن التملق مذموم، وأن النقد البناء هدية كبيرة، ويعرفون الناقد على أنه أفضل صديق وأحب أخ إليهم. قال الإمام الصادق (عليه السلام):
" أحب إخواني إلي من أهدى إلي عيوبي " (1).
وهكذا يعلم قادة ديننا الناس استثمار حق النقد لإصلاح السلوك الفردي، وإحياء الحقوق الاجتماعية.
انتقدوني!
كان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) قائدا كاملا بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ومعصوما حسب الأدلة القوية القاطعة. ولا ريب في سداد آرائه وأفكاره وممارساته، بيد أنه في الوقت نفسه لا يأذن للناس أن ينقدوه فحسب، بل يريد منهم - بجد - أن يجتنبوا التملق الذي يمثل عادة عامة عند مواجهة الجبابرة المستكبرين. وإذا شاهدوا منه رأيا أو عملا خاطئا بزعمهم فعليهم أن ينقدوه بلا وجل، ويكونوا واثقين من أنه لا يمتعض من النقد، بل يمتعض من التملق والإطراء في غير محله.
والأعجب من ذلك كله أن الإمام (عليه السلام) لا يسمح بنقده في الظروف الاعتيادية والطبيعية للمجتمع الإسلامي فحسب بل يسمح به أيضا في أحرج ظروف الحكومة وفي أشد الحروب التي وقعت أيام خلافته، أي: في حرب صفين.
ألقى الإمام (عليه السلام) خطبة حماسية تحدث فيها عن الحقوق المتبادلة بين القائد والناس، ودور هذه الحقوق في بقاء الحكومات أو سقوطها، والتأكيد على ضرورة رعاية الناس حقوق القيادة. عندها اهتاج أحد أصحابه (عليه السلام) اهتياجا شديدا، وطفق يثني على الإمام ويمجده وهو يعلن عن طاعته على أسلوب المداحين جميعهم.