أعمال الآخرين. فصلاته وصيامه وإقامته لليل وجهاده وعدالته وصبره وشجاعته وزهده وجميع فضائله كل ذلك ملاك وميزان لتقويم الفضائل. وإذا كانت هذه الخصائص كلها عند الآخرين فكلما اقتربت من خصائص الإمام (عليه السلام) اقتربت من الكمال، وكلما ابتعدت كانت أنقص.
وليس بمقدور التاريخ غابرا وحاضرا أن يرينا قائدا - بعد النبي (صلى الله عليه وآله) الذي كان إمام الأئمة - كعلي (عليه السلام) في سبقه إلى العمل. وكان القادة غير الربانيين على مر التاريخ اولي قول لا اولي عمل، ولو ظهر بينهم من كان من اولي العمل فلا جرم أنه لم يكن سباقا، وإذا ما تسلم السلطة فإنه ينسى وعوده وشعاراته جميعها.
ولا يستطيع التاريخ أن يقدم لنا قائدا كعلي (عليه السلام) إذ عاش عيشة الفقراء وهو في ذروة قدرته وعظمته. قال (عليه السلام):
" إن الله جعلني إماما لخلقه، ففرض علي التقدير في نفسي ومطعمي ومشربي وملبسي كضعفاء الناس، كي يقتدي الفقير بفقري ولا يطغي الغني غناه " (1).
قال ابن أبي الحديد في سر الجاذبية التي لا نظير لها عند الإمام (عليه السلام) ونفوذه العجيب في قلوب الناس:
" قلت لأبي جعفر الحسني مرة: ما سبب حب الناس لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) وعشقهم له وتهالكهم في هواه؟ ودعني في الجواب من حديث الشجاعة والعلم والفصاحة وغير ذلك من الخصائص التي رزقه الله سبحانه الكثير الطيب منها! " سؤال رائع ودقيق وجوابه لا يتيسر ارتجالا كما يبدو. ضحك أبو جعفر وقال:
" كم تجمع جراميزك (2) علي؟! " ثم عرض مقدمة للجواب ورد فيها تحليل جميل لسخط معظم الناس على الدنيا. وذكر أن المستحقين موتورون من الدنيا، وغير