بالإيمان به، وكل باحث منصف يدرس سيرته (صلى الله عليه وآله) يستطيع أن يستنتج بسهولة أنه كان يعتقد بما يقول، بل كان حائزا على أرفع درجات الاعتقاد.
وبين القرآن الكريم إيمانه واعتقاده (صلى الله عليه وآله) بالأهداف الإلهية بقوله:
* (آمن الرسول بما انزل إليه من ربه) * (1).
وحياته بأسرها آية على إيمانه بأهداف رسالته، ودليل قاطع على تمكنه من إقناع الآخرين بالإيمان بها. وفيما يأتي نموذج رائع يمكن أن يثبت هاتين المزيتين، ويتمثل في حادثة وقعت في بداية الرسالة:
صدع رسول الله (صلى الله عليه وآله) بدعوته تدريجا، وكان ملموسا منذ الأيام الأولى للدعوة أن دعايات الأعداء والعراقيل التي كانوا يضعونها في طريق الدعوة لم تجد شيئا، فدخلت الدعوة في قلوب الناس سريعا، وكان عدد المسلمين الذين آمنوا بذلك القائد السماوي يزداد على تواتر الأيام. وبلغت جاذبية الإسلام ونفوذه في قلوب الناس مبلغا شعر فيه عتاة قريش بالخطر، إذ كانوا يرون بجلاء أن الأوضاع لو استمرت على هذا النسق فإن معظم الناس سيغيرون عقيدتهم ويركنون إلى الإسلام وقيادة نبيه. من هنا عزموا على مواجهة هذا الخطر ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا.
ذهبوا في البداية إلى أبي طالب الحامي الوحيد للنبي (صلى الله عليه وآله) ورئيس قبيلة بني هاشم، فطلبوا منه أن يكف عن دعم النبي، وكان طلبهم - على ما نقل ابن هشام في سيرته - كالآتي:
" يا أبا طالب، إن ابن أخيك قد سب آلهتنا وعاب ديننا وسفه أحلامنا وضلل آباءنا، فإما أن تكفه عنا وإما أن تخلي بيننا وبينه ".
لم يجبهم أبو طالب جوابا مقنعا، وأبدى موقفا سياسيا قويا من خلال تهدئتهم