فتكون على إحدى الحسنيين، أما أن تقتله فتكون قد قتلت قاتل الأقران وتزداد شرفا إلى شرفك، وإما أن يقتلك فتكون قد استعجلت مرافقة الشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا. فقال معاوية: يا عمرو! الثانية شر من الأولى.
وكان معاوية واقفا على تل يشاهد المعركة وعلي يفلق الهامات، وما من أحد يقوى عليه، والصفوف تنهزم أمامه هو وفرسان ربيعة وهمدان، وجيش الشام ينهار، وصناديده يفرون يلتمسون النجاة من علي وأصحابه.
فقال معاوية وهو يتأمل كل ذلك: تبا لهؤلاء الرجال وقبحا! أمام فيهم من يقتل عليا مبارزة أو غيلة؟ فقال له الوليد بن عقبة: أبرز إليه أنت فإنك أولى الناس بمبارزته، فقال معاوية: والله لقد دعاني إلى البراز حتى استحييت من قريش، إني والله لا أبرز إليه، وما جعل العسكر بين يدي الرئيس إلا وقاية له.
وجمع معاوية من معه من رجالات قريش وقال لهم: العجب يا معشر قريش إنه ليس لأحد منكم في هذه الحرب فعل حسن يطول به لسانه ما عدا عمرو بن العاص، فما بالكم؟ أين حمية قريش؟ فرد عليه الوليد بن عقبة في غضب: وأي فعل تريد؟ والله ما نعرف في أكفائنا من قريش العراق من يغني غناءنا باللسان ولا باليد، فقال معاوية: بل إن أولئك قد وقوا عليا بأنفسهم، قال الوليد متحديا معوضا بمعاوية: كلا، بل وقاهم علي بنفسه، فقال معاوية: أما منكم من يقوم لقرن منهم مبارزة أو مفاخرة؟
قال مروان: أما البراز فإن عليا لا يأذن لحسن ولا لحسين ولا لمحمد بنيه فيه ولا لابن عباس وإخوته، ويصلى علي بالحرب دونهم، فلأيهم نبارز؟ أما المفاخرة فبماذا نفاخرهم؟ أبالإسلام أم بالجاهلية؟ فإن كان بالإسلام فالفخر لهم بالنبوة..
وقاطعه معاوية فسفهه.
تنابزوا جميعا، فأغلظ الوليد لمعاوية.
وقال مروان: أما والله لولا ما كان مني يوم الدار مع عثمان، ومشهدي بالبصرة،