ولا أعرف الذي قربك من معاوية، فإن ترد شرا لا نسبقك به، وإن ترد خيرا لا تسبقنا إليه.
فجاء عمرو بكتاب ابن عباس إلى معاوية وقال له في غضب: أنت دعوتني إلى هذا، ما كان أغناني وإياك عن بني عبد المطلب، فقال معاوية: إن قلب ابن عباس وقلب علي قلب واحد، كلاهما ولد عبد المطلب، وإن كان ابن عباس قد خشن فقد لان، وإن كان قد تعظم أو عظم صاحبة فلقد قارب وجنح إلى السلم، وإن ابن عباس رجل من قريش وأنا كاتب إليه أخوفه عواقب هذه الحرب لعله يكف عنا.
وأرسل معاوية إلى ابن عباس: أما بعد، فإنكم يا معشر بني هاشم لستم إلى أحد أسرع بالمساءة منكم إلى أنصار عثمان بن عفان، فإن كان ذلك لسلطان بني أمية، فقد وليها عدي (قبيلة أبي بكر) وتيم (قبيلة عمر) فلم تنافسوهم، وأظهرتم لهم الطاعة، وقد وقع من الأمر ما قد ترى، وأكلت هذه الحروب بعضها من بعض حتى استوينا فيها، فما أطمعكم فينا أطمعنا فيكم وما يسيئكم منا يسيئنا منكم، وقد رجونا غير الذي كان، وخشينا دون ما وقع، قد قنعنا بما كان في أيدينا من ملك الشام، فاقنعوا بما في أيديكم من ملك العراق، وأبقوا على قريش، فإنما بقي من رجالها ستة: رجلان بالشام، ورجلان بالعراق، ورجلان بالحجاز، فأما اللذان بالشام فأنا وعمرو، وأما اللذان بالعراق فأنت وعلي، وأما اللذان بالحجاز فسعد (ابن أبي وقاص) وابن عمر، وأنت رأس هذا الجمع اليوم، ولو بايع لك الناس بعد عثمان كنا إليك أسرع منا إلى علي.
فلما قرأ ابن عباس الكتاب غضب وقال: حتى متى يخطب ابن هند إلى عقلي وحتى متى أجمجم على ما في نفسي؟ وأسرع يرد عليه: أما بعد، أتاني كتابك وقرأته، فأما ما ذكرت من سرعتنا إليك بالمساءة في أنصار ابن عفان، وكراهيتنا لسلطان بني أمية، فلعمري لقد أدركت في عثمان حاجتك حين استنصرك فلم