فأما طلبك الشام، فإني لم أكن لأعطيك اليوم ما منعتك أمس.
وأما استواؤنا في الخوف والرجاء، فإنك لست أمضى على الشك مني على اليقين وليس أهل الشام بأحرص على الدنيا من أهل العراق على الآخرة.
وأما قولك إنا بنو عبد مناف ليس لبعضنا على بعض فضل، فلعمري إنا بنو أب واحد، ولكن ليس أمية كهاشم، ولا حرب كعبد المطلب، ولا أبو سفيان كأبي طالب، ولا المهاجر كالطليق ولا المحق كالمبطل، وفي أيدينا بعد فضل النبوة التي أذللنا بها العزيز، وأعززنا بها الذليل. فلما قرأ معاوية كتاب الإمام، أخفاه.
ثم إن عمرو بن العاص ألح على معاوية حتى أطلعه على كتاب الإمام، فأثنى عمرو عليه، وأغضب ذلك معاوية، فقال لعمرو عاتبا: أردت تسفيه رأبي وإعظام علي وقد فضحك.
وكان عمرو يعظم عليا لأنه بعد أن صرعه لم يجهز عليه بل أشاح عنه بوجهه وتركه ينجو، فقال عمرو: أما إعظامي عليا فإنك بعظمته أشد معرفة مني، ولكنك تطوي ما تعرفه وأنا أنشره، وأما فضحني يوم صارعته، فلم يفتضح امرؤ لقي أبا الحسن.
خرج علي، ومعاوية، كل واحد منهما على رأس جنده، وبرز من جند معاوية عبيد الله بن عمر بن الخطاب يقود أربعة آلاف بعمائم خضراء يطالبون بدم عثمان، فنادى الإمام: ويحك يا بن عمر، علام تقاتلني، والله لو كان أبوك حيا ما قاتلني.
قال عبيد الله: أطالب بدم عثمان، فقال الإمام: أنت تطلب بدم عثمان والله يطلبك بدم الهرمزان.
وأمر الإمام صاحبه الأشتر وفرسانه أن يتصدوا لعبيد الله بن عمر وفرسانه، وكان عبيد الله بن عمر قد تعود حين يخرج إلى القتال أن يأمر نساءه فيشددن عليه السلاح، ويأخذ إحداهن على راحلتها من خلفه لترى بلاءه في القتال، فلما خرج ذلك اليوم طلب من امرأته بنت هانئ أن تخرج خلفه وقال لها: إني عبأت اليوم