لقومك وإني لأرجو أن أربط في كل وتد من أوتاد خيمتي سيدا منهم، وكان قومها في جند الإمام، فقالت: ما أبغض إلا أن تقاتلهم، قال: ولم؟ قالت: لأنه لم يتوجه إليهم صنديد في جاهلية ولا إسلام وفي رأسه صعر (غرور) إلا أبادوه، وأخاف أن يقتلوك، وكأني بك قتيلا وقد أتيتهم أسألهم أن يهبوا لي جيفتك، فرماها بقوس فشج رأسها وقال: ستعلمين بمن آتيك من زعماء قومك، وخرج إلى القتال، وخلفه امرأتان له على راحلتين أخرجهما معه لتشهدا بطولته.
ولكنه لم يلبث أن بارز الأشتر، فصرعه الأشتر، فلما وجدته امرأتاه مجند لا أكثرتا العويل عليه.
ثم إن نساءه ذهبن إلى معاوية ليرسل في طلب جيفته، فأرسل يعرض فيها عشرة آلاف على قوم أم عبيد الله، وسألوا الإمام عليا، فقال لهم: لا يحل بيعها.
جاءتهم امرأته بنت هانئ فقالت: أنا بنت هانئ وهذا زوجي القاطع الظالم وقد حذرته ما صار إليه فهبوا لي جيفته، فدفعوا إليها جيفته، وكانت مربوطة في وتد خيمة.
ورأى معاوية تفوق أهل العراق على أهل الشام، فأنب أصحاب رايات الشام، وأغلظ لهم، وهددهم وتوعدهم وقال لأكبرهم: لقد هممت أن أولى قومك من هو خير منك مقدما وأنصح منك دنيا، فقال له الرجل مغضبا: والله لقد نصحتك على نفسي، وآثرت ملكك على ديني، وتركت لهواك الرشد وأنا أعرفه، وحدت عن الحق وأنا أبصر، وما وفقت لرشد حين أقاتل على ملكك ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأول مؤمن به، ولو أعطيناه ما أعطيناك لكان أرأف بالرعية، ولكن قد بذلنا لك الأمر، ولا بد من إتمامه غيا كان أو رشدا، وحاشا أن يكون رشدا، وسنقاتل عن تين الغوطة (موضع بالشام) وزيتونها، إذ حرما ثمار الجنة وأنهارها.
واندفع الرجل براية قومه يقاتل جيش علي، وأخذته الحمية، فأحسن البلاء وحمى وطيس المعركة من جديد.