تنصره، حتى إلى ما صرت إليه، وبيني وبينك في ذلك ابن عمك وأخو عثمان الوليد بن عقبة (أخو عثمان لأمه)، وأما قولك أنه لم يبق من قريش غير ستة فما أكثر رجالها وأحسن بقيتها، وقد قاتلك من خيارها من قاتلك، ولم يخذلنا إلا من خذلك، وأما إغراؤك إيانا بعدي وتيم فأبو بكر وعمر خير من عثمان، كما أن عثمان خير منك، وقد بقي لنا منك يوم ينسيك ما قبله، وتخاف ما بعده، وأما قولك: إنه لو بايع الناس لي لاستمعتم لي، فقد بايع الناس عليا وهو خير مني فلم تستقيموا له، وإنما الخلافة لمن كانت له المشورة، وما أنت يا معاوية والخلافة وأنت طليق وابن طليق؟ والخلافة للمهاجرين، وليست للطلقاء (الذين أسلموا يوم فتح مكة).
فلما قرأ معاوية الكتاب، نظر إليه عمرو شامتا وضحك، فقال معاوية: هذا عملي بنفسي، والله لا أكتب إليه أبدا.
ثم قال: والله لأستميلن بالأموال ثقات علي، ولأقسمن فيهم المال حتى تغلب دنياي آخرته.
وأغدق معاوية على بعض أهل العراق أموالا طائلة ووعدهم بإقطاعات ومناصب كبرى، فمالوا إليه، وانتشر الخبر في الناس، فأحزن ذلك عليا، واستنفر آخرين آثروا دين علي على دنيا معاوية، فانقضوا على من انضموا إلى جيش الشام، وأعمروا فيهم القتل وفي أهل الشام، فجزع معاوية جزعا شديدا، وقال لأهل الشام: هذا يوم تمحيص، وإن لهذا اليوم ما بعده، اصبروا وكونوا كراما.
استشهد عمار بن ياسر رضي الله عنه، فجزع أتباعه القراء وزلزلوا زلزالا شديدا، فقد كانوا لا يتخيلون أن يقتل عمار على هذا النحو البشع: يعمد إليه أحد أثرياء الشام فيقتله، وينقض ثري آخر فيفصل رأسه عن جسده، كأنه يريد أن بطمئن أنه لن يعود إلى الحياة مرة أخرى، فيطالب الأغنياء بأن يقوموا بأمر الفقراء، وينادي بأن للفقراء والمساكين أهل الحاجة حقوقا في أموال الأغنياء غير الزكاة.