فقام قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري فقال: أما والله يا أمير المؤمنين لنحن كنا أولى بالتسليم لك من أهل الشام لمعاوية.
وشعر معاوية أنه سيحاط به وبجند الشام بعد أن قطع الإمام طريق الميرة، فبعث أبا هريرة والنعمان بن بشير الأنصاري إلى علي فقالا له: يا أبا الحسن إن الله قد جعل لك في الإسلام فضلا وشرفا، وقد بعثنا معاوية يسألك أمرا تسكن به هذه الحرب، ويصلح له به ذات البين: أن تدفع إليه قتلة عثمان، فيقتلهم به، ويجمع الله تعالى أمرك وأمره، ويصلح بينكم، وتسلم الأمة من الفتنة والفرقة. فعجب الإمام لهذا الكلام. أما يزال معاوية يطالب بقتلة عثمان، ويرى نفسه ولي الدم وله الحق في القصاص دون الإمام ولي أمر الأمة، وعجب أن يحمل إليه أبو هريرة والنعمان بن بشير الأنصاري مثل هذا الكلام.
فقال الإمام لهما: دعا هذا الكلام.
ثم اتجه إلى النعمان قائلا: حدثني عنك يا نعمان، هل أنت أهدى قومك سبيلا؟
قال: لا، الإمام: فكل قومك الأنصار قد اتبعني إلا شذاذا منهم ثلاثة أو أربعة، أتكون أنت من الشذاذ؟ قال النعمان: إنما جئت لأكون معك وألزمك، وكان معاوية قد سألني أن أؤدي هذا الكلام، ورجوت أن يكون لي موقف أجتمع فيه معك، وطمعت أن يجري الله تعالى بينكما صلحا، فإذا كان رأيك غير ذلك فأنا ملازمك وكائن معك.
وكان بعض الناس في صفين يسعى بين المعسكرين، وكانت الحرب إذا هدأت عشاء يتسامر أهل المعسكرين معا، فيتعاتبون، ولقد يرق الواحد منهم للآخر، حتى إذا أصبحوا واستعر القتال بينهم كره بعضهم بعضا.
وكان ممن يترددون بين المعسكرين في صفين، نفر اعتزلوا القتال، وسعوا في الصلح، فكانوا إذا نودي للصلاة يصلون خلف علي، فإذا جاء وقت الطعام أو النوم، ذهبوا إلى معاوية حيث الطعام ألذ والفراش ألين، وكانوا إذا سئلوا في ذلك