وخلال المعركة رأى الإمام ولديه الحسن والحسين يخوضان غمراتها، فدعا الله أن يحفظهما، وقال لأحد أصحابه: إني أضن بهذين على الموت، لئلا ينقطع بعدهما نسل رسول الله صلى عليه وسلم.
ولاحظ الإمام أن معاوية يقف على التل تحت الترس الذهبي، يتفقد طريق مؤخرته إلى الشام، ليسحب إذا ما لم يجد حلية إلا الانسحاب.
وشاهد الإمام تدفق الإمدادت والميرة من الشام إلى مؤخرة جيش معاوية، فنظر الإمام في الأمر، فوجد أن معاوية كلما حوصر نفدت منه الميرة جاءه مدد ضخم من الشام، فالطريق إليها مفتوح، وإذن فلا سبيل إلى الانتصار الحاسم على جيش الشام ومعاوية ما بقي طريق الميرة والإمداد مفتوحا ومؤمنا.
وأصدر الإمام علي أمره إلى أحد أصحابه: سر في بعض هذه الخيل فاقطع الميرة عن معاوية، ولا تقتل إلا من يحل لك قتله، وضع السيف موضعه.
بلغ ذلك معاوية، فدعا أقوى أمراء جيشه وأمر أن يخرج بفرسانه لتأمين الطريق، ولكنه عاد منهزما بعد حين، وقطع الإمام الميرة عن جيش الشام.
فجمع معاوية رؤوس جند الشام وأصحابه وقال لهم: أتاني خبر من ناحية من نواحي فيه أمر شديد، فقالوا جميعا: يا أمير المؤمنين ليس لنا رأي في شئ مما أتاك، إنما علينا السمع والطاعة.
وأراد الإمام علي أن يعرف رأي أصحابه من أهل العراق، فقال أيها الناس، إنه أتاني خبر من ناحية من نواحي، فقال بعضهم: الرأي لك، وقال آخرون: يا أمير المؤمنين، إن لنا في كل أمر رأيا، فما أتاك فأطلعنا عليه حتى نشير عليك، فقال علي: ظفر والله ابن هند باجتماع أهل الشام له واختلافكم علي، والله ليغلبن باطله حقكم، إنما أتاني أن بعض خيلنا قطعت الميرة عن معاوية، وظفرت بفرسانه وأتى معاوية نبأ هزيمة أصحابه فقال: يا أهل الشام، إني أتاني أمر شريد، فقلدوه أمرهم، واختلفتم علي.