وشعر معاوية بما في أعماق عمرو فقال مزهوا: يا ابن العاص كيف ترى هؤلاء وما هم عليه؟ قال عمرو: لقد رأيت من يسوس رعيته بالدين والدنيا، فما رأيت أحدا تأتى له من طاعة رعيته ما تأتى لك من هؤلاء، قال معاوية: أفتدري متى يفسد هذا، وفي كم ينقض؟ قال: في يوم واحد، إي والله أو في بعض يوم، قال عمرو: وكيف ذلك؟ قال معاوية: متى كذبوا في الوعد الوعيد، وأعطوا على الهوى لا على الغناء.
القبائل العربية موزعة بين جيش الإمام وجيش معاوية، كل قبيلة تكفي أختها، حتى قريش الشام تعرضت للقرشيين الذين جاءوا من العراق أو من الحجاز.
ومعاوية ما برح يغري رؤساء القبائل في جيش علي، ولقد راسل الأشعث بن قيس رئيس اليمانية فلم يحفل به، ولم يرد عليه، وراسل عبد الله بن عباس لعله يكفكف من حماسته.
ورد عليه ابن عباس أكثر من مرة ينصحه بأن يحقن الدماء، ويدخل في الجماعة، فيعود معاوية إلى مخاطبته مصرا على أن يسلمه علي قتلة عثمان ليدخل في الطاعة..
وقد حاول معاوية أن يخاطب من جيش علي رؤساء ربيعة وهمدان، ولكنهم ردوا عليه ردا منكرا قبيحا، فكسروه.
وارتفع صوت الإمام يقوم في جنده: سيروا على بركة الله، الله أكبر الله أكبر، يا الله يا أحد يا صمد، يا رب محمد، ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين، بسم الله الرحمن الرحيم لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، إياك نعبد وإياك نستعين، اللهم اكفنا واكف عنا بأس الظالمين.
وبرز للإمام أربعة من أبطال الشام فصرعهم الواحد بعد الآخر، واشتبك الجيشان، وتساقط الناس صرعى، وعز ذلك على الإمام، فنادى بأعلى صوته: